مدونات ضد المحاكمات : الحرية لمدحت الحداد | الحرية لعصام حشيش | الحرية للدكتور بشر | الحرية لضياء فرحات | الحرية لخيرت الشاطر | الحرية لحسن مالك

الحقيقة الغائبة في قضية
المدنيين المحالين للمحكمة العسكرية في مصر

دأبت بعض وسائل الإعلام الحكومية في مصر، المقروءة والمرئية على مهاجمة أساتذة الجامعات والمهنيين ورجال الأعمال المحبوسين احتياطيًا على ذمة القضية 963 لسنة 2006 حصر أمن دولة عليا، والتي تم إحالتها إلى القضاء العسكري تحت رقم 2 لسنة 2007 – والإدعاء عليهم زورًا وبهتانًا بأنهم مذنبون ومستحقون للعقوبة، دون الإطلاع على التحقيقات التي أجرتها نيابة أمن الدولة، وما أسفرت عنه هذه التحقيقات من كيدية الإدعاء لأغراض سياسية، وهو ما أكدته محكمة الجنايات في حكمها الصادر بتاريخ 29/1/2007 بإخلاء سبيل جميع المعروضين عليها فورًا ودون تأخير وبدون أي ضمانات لخلو الدعوى من الأسباب القانونية التي تجز التحفظ عليهم.
ومن أبرز حيثيات هذا الحكم – والتي تم نشرها في وسائل الإعلام المستقلة – أن القضية سياسية وليس لها كيان يمكن بناء الاتهامات عليه، وأنه لا توجد أي مبررات للحبس الاحتياطي لانعدام ثبوت الدليل في محضر تحريات مباحث أمن الدولة، وبطلان قرار الحبس الاحتياطي لانعدام الدلائل الكافية، وأنه لا يوجد إخلال جسيم بالأمن كما جاء في محاضر تحريات المباحث والتي وصفتها المحكمة بأنها غير مقبولة، ووصفت المدعي عليهم بأنهم دكاترة ومهندسون ومحاسبون ورجال أعمال ولهم تاريخ معروف بالنزاهة والشرف.

ورغم هذا الحكم فقد أصدر وزير الداخلية في مساء نفس اليوم قرارًا باعتقال كل الأشخاص الذين أخلت المحكمة سبيلهم، ضاربًا بأحكام القضاء المصري عرض الحائط. وتلى ذلك صدور قرار من رئيس الدولة بإحالة أوراق الدعوى الملفقة إلى القضاء العسكري لحرمان المدعي عليهم المعتقلين والمحبوسين احتياطيًا من المثول أمام قاضيهم الطبيعي، وحرمانهم من فرص الاستئناف أو النقض.
وإن هيئة الدفاع عن المدعي عليهم في هذه القضية تود توضيح الحقائق الغائبة في أغرب القضايا التي تم إحالة المدنيين فيها للمحاكمة العسكرية والتي تحمل أغرب الاتهامات – لكي يعرف الأحرار في العالم بصفة عامة، وفي مصر بصفة خاصة – ماذا يجري في مصر
!!

أولاً:
إن جميع المدعي عليهم ينتمون فكريًا إلى المدرسة الإسلامية الصحيحة ذات المنهج الوسطي الذي يقوم على أن الإسلام قد ترك للبشر الحرية فيما يأخذون أو ما يدعون، ولم يقيدهم سوى بأن تكون حياتهم قائمة على الفضائل حتى يحيوا حياة فاضلة تسودها العدالة والمساواة والحرية والتضامن والتكافل والتراحم والشورى وغير ذلك من المبادئ الإنسانية التي يتطلع إليها العالم اليوم.
وقد رسم الإسلام حدود هذه الفضائل والمبادئ ليحمي الحياة العامة من الفساد والأهواء، وليقيم المجتمع على أساس من المعاني السامية والفضائل الإنسانية – مجتمع ذو قيمة إنسانية مشتركة لا تفاضل بين أفراده إلا من خلال الاستقامة والرشاد في كل عمل يؤديه الفرد أو يدعو إليه، مهما تعددت ألسنة أو ألوان أو جنسيات الأفراد المنتسبين إليه. وأن الفرد هو وحدة هذا المجتمع، وهو الغاية والمقصد من كل تشريع أو تنظيم، وأن له حقوق طبيعية تفوق سلطة الجماعة. وما وجدت السلطة إلا لضمان سريان هذه الحقوق بما يكفل تحقيق النفع الخاص للأفراد من ناحية، والنفع العام للجماعة من ناحية أخرى، دون إخلال بالمساواة القانونية والاجتماعية بين الأفراد بسب الاختلاف في العقائد أو السلطة أو الثروة أو القوة، فلا ميزة لحاكم على محكوم، أو لقوي على ضعيف أو لغني على فقير أو مسلم على كتابي أو أبيض على أسود.

وأن السلطة ما هي إلا وسيلة لتحقيق التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الأمة. وهي ليست سلطة إلهية، وإنما هي سلطة مدنية تستمد شرعيتها من الأفراد. وليست سلطة حاكمية، وإنما تقوم على التعددية والشورى وعلى حدود مرسومة بين الحاكمين والمحكومين وعلى جواز عزل الحاكم. وليست سلطة مطلقة وإنما سلطة مقيدة بأن يكون كل ما يصدر عنها من تشريعات متفقًا مع مبادئ الشريعة الإسلامية.

وهو منهج يستوعب كل الخلافات المذهبية لما تمثله من مدارس فقهية تعمل على إثراء الفكر الإسلامي بما يوفر الحلول والبدائل لجميع مشاكل الأمة الداخلية والخارجية. ويدعو إلى توسيع المشاركة الإنسانية في كل ما يحقق الخير للمجتمع من خلال اجتهادات الناس، أفرادًا وجماعات، أحزابًا ونقابات وجمعيات ومنتديات واتحادات. كما يدعو إلى استخدام مصادر تشريعية أخرى في حالة عدم ثبوت الإجماع المتيقن.
ثانيًا:

إن جميع المدعي عليهم في هذه القضية يتبنون المنهج الإصلاحي العلمي الذي يقوم على مبدأ المشاركة الإيجابية العلمية في جميع مناحي الحياة، وإبداء الرأي في كل ما من شأنه رقي المجتمع ونهضته العصرية بكل الوسائل السلمية المشروعة، دون إخلال بنصوص الدستور أو إعتداء على حقوق الغير، أو الحط من شأن الغير حكاما كانوا أو محكومين.

وجميعهم إتخذوا العلم سبيلا لهم لدفع عجلة التنمية في المجتمع، فمنهم أساتذة الجامعات في كليات الطب، والهندسة والعلوم والحقوق والصيدلة، والأطباء، والمهندسين والصحافيين والعلميين والمعلمين ورجال الأعمال. وهم جميعا من ذوي المكانة المرموقة في المجتمع ومحل للإحترام والتوقير من رفاقهم في الموطن أو العمل أو المهنة أو النشاط. وقد احتلوا هذه المكانة عن جدارة تشهد بها الشهادات العلمية القومية والدولية التي منحوها، أو الوظائف القيادية المهنية التي تبوؤها، أو المراكز الاجتماعية التي أولوها في مجال الخدمات الاجتماعية أو النقابية، أو الثقة التي منحوها من جانب المتعاملين معهم في مجال الأعمال الاقتصادية.

وقد كان لمشاركتهم الإيجابية في المجتمع، ولصدق تعاملاتهم ومعاملتهم مع أفراد دوائرهم الأثر الكبير في تكاليف أهالي هذه الدوائر حولهم وتقديم بعضهم كمرشحين عن بعض هذه الدوائر لعضوية المجالس النيابية الرسمية في أعوام 2000، 2005 بغية تحقيق ما تصبو إليه هذه الدوائر من كفاية وعدل وحرية ومساواة وشورى إلا أنهم فوجئوا بإجراءات تعسفية من جانب النظام الحاكم تحول بينهم وبين تحقيق هذه الرغبة الشعبية وقد عمد النظام إلى أستخدام كافة الوسائل غير المشروعة وغير القانونية ليحول بينهم وبين وكلائهم في هذه الدوائر من جهة، وبينهم وبين عضوية هذه المحابس من جهة أخرى، بغية الإنفراد بالقرار السياسي وحرمان الأغلبية الشعبية من حقوقها السياسية، وإخلاء الساحة السياسية من جميع المعارضين الذين يواجهون احتكار السلطة والثروة في مصر وقد شهدت أحكام محكمة النقض، وأعتصام القضاء الإداري، وتقارير جمعيات، حقوق الإنسان، وشهادات المراقبين والأجانب – بأن النظام الحاكم قام من خلال أجهزته الأمنية باتخاذ كافة الوسائل غير المشروعة قوميا ودوليا ضد المرشحين المستقلين الذين ينتمون إلى المدرسة الإسلامية الإصلاحية، ليحول بينهم وبين المشاركة السياسية في مجلس الشعب وذلك من خلال إغلاق اللجان أمام المواطنين، أو تزوير النتائج لصالح المرشحين من الحزب الحاكم، أو القبض على المرشحين أو وكلائهم أو مؤيديهم، أو التلاعب في الجداول الانتخابية لحذف أسماء الناخبين، وإضافة أسماء أخرى بالجملة من خارج الدوائر الأنتخابية، أو عدم تنفيذ الأحكام الصادرة لصالح المرشحين في بعض الدوائر.

على الرغم من كل هذه الإجراءات غير المشروعة فقد جاءت نتائج أنتخابات 2005 لمجلس الشعب على غير ما يتوقع الحزب الحاكم – حيث كانت إرادة الغالبية من أفراد هذه الدوائر أقوى وأكبر من كل تنكيل وقهر، وأندفع الناس يصوتون لصالح مرشحيهم ويجمعون صناديق الانتخاب غير عابئين بالإجراءات التعسفية، يعاونهم في ذلك إصرار الغالبية من رجال القضاء المشرفين على هذه الدوائر على حماية المواطنين والمرشحين وإقرار الحق، ودحر الباطل – الأمر الذي اسفر عن فوز نحو 60% من عدد المرشحين المستقلين الذين ينتمون إلى المدرسة الإسلامية الإصلاحية.
ثالثًا:

لم يكن أمام النظام الحاكم سبيل لمواجهة الإدارة الشعبية سوى توجيه ضربات وقائية استباقية لإجهاض أي محاولة لترشيح المنتمين إلى هذه المدرسة الفكرية في الأنتخابات المستقبلية- وذلك من خلال محورين:

المحور الأول: هو تعديل الدستور بما يحقق الآتي:
1. حظر أي نشاط سياسي بما في ذلك تكوين الأحزاب على أساس المرجعية الدينية.
2. الحد من ترشيح مستقلين من خارج الأحزاب الراهنة.
3. إطلاق يد البطش من جانب النظام الحاكم ضد كل المعارضين السياسين من خلال نص دستوري جديد ينشر الخوف والرعب في المجتمع من كل تسول له نفسه بمناوءة الحزب الوطني الحاكم أو الأعتراض على قرارته، أو مزاحمته سياسيا، أو مهاجمته فسادهم وعمالتهم لأعداء الوطن وأعداء الإسلام، أو الوقوف كحجر عثرة في طريق توريث الحكم والمدهش أن هذا النص الدستوري يحمل عنوان مكافحة الأرهاب.
4. سد المنافذة القضائية في وجه أي مقاومة لتزييف إرادة الأمة وذلك من خلال إلغاء الإشراف القضائي المباشر والكامل عل صناديق الانتخابات والاستفتاء حتى يسهل لهم إحكام قبضتهم على الشعب وتنفيذ مخططاتهم ضد الوطن والأمة العربية والأمة الإسلامية بأسرها.

أما المحور الثاني:
فهو تلفيق قضايا ضد الشخصيات الظاهرة من المنتمين للمدرسة الإسلامية الإصلاحية السلمية، بكل الوسائل والطرق غير المشروعة – وذلك من خلال تحريات مزيفة يجريها أحد ضباط أمن الدولة، وإجراءات قبض وتفتيش باطلة، وتهم مرسلة لا سند لها ولا دليل عليها، وتحقيقات مغرضة بمعرفة أحد الأجهزة القضائية الاستثنائية التي تخضع مباشرة للسلطة التنفيذية- وذلك بغرض عزل هذه الشخصيات في السجون والحيلولة بينهم وبين إبداء الرأي خلال فترة الإنقلاب الدستوري الذي تشهده البلاد، ولحرمانهم أيضا من الترشيح لانتخابات مجلس الشورى المقرر انعقادها في أبريل – يونيو 2007 أو أي انتخابات أخرى تستوجبها التعديلات الدستورية في حالة إقرارها وفي إطار تنفيذ المحور الثاني سخر النظام الحاكم إحدى المجلات الإسبوعية القومية التي أشتهرت بمناءتها للأديان بصفة عامة وتشهيرها بالدعاة المسلمين بالدعاة المسلمين بصفة خاصة – لنشر تقارير ملفقة ضد المدعي عليهم تتهمهم زورا وبهتانا بأنهم يشكلون لجانا مالية لإستثمار أموال جماعة الإخوان المسلمين وتمويلها وأفردت هذه المجلة المشبوهة صفحات أعدادها خلال الفترة من ديسمبر 2006 إلى فبراير 2007 للتشهير بالمدعي عليهم، والتحريض ضدهم، بينما قامت مباحث أمن الدولة بالتزامن بمهاجمة المدعي عليهم وإلقاء القبض عليهم وتفتيش مساكنهم ومقار مكاتبهم والشركات التي وردت أسماؤها بالمجلة المذكورة ومصادرة أموال نسائهم وإغلاق مقار أعمال رجال الأعمال منهم والتحفظ على الشركات التي يديرونها بل تعدى الأمر إلى التحفظ أيضا على الشركات المساهمة وشركات الأشخاص التي يساهم فيها بعض المدعي عليهم من غير رجال الأعمال، أو يشتركون في رأسمالها أو يعملون بها بل وصل الأمر إلى إغلاق شركات لا صلة لأحدهم بها وإمعانا في التلفيق والتواطؤ بين مباحث أمن الدولة والمجلة الفاسدة المشبوهة أن جاءت تحريات المباحث ضد المدعي عليهم على مراحل شهرية أغلبها في الثالث عشر من ديسمبر 2006 والثالث عشر من يناير سنة 2007 والثالث عشر من فبراير 2007، حيث تنطق كل مرحلة من التحريات مما أفردته المجلة المذكورة سبقا من إتهامات ملفقة، ويعقبها مباشرة في مساء نفس اليوم عمليات القبض والتفتيش المرحلية بإذن من نيابة أمن الدولة على حد مزاعم المباحث، وهو ما يعني أن هذا الإذن قد صدر إن كان قد صدر متزامنا مع تاريخ تحريات المباحث دون تروي أو فحص للأدلة من جانب النيابة المذكورة.
رابعًا:

فوجيء المدعي عليهم بإتهامهم من جانب نيابة أمن الدولة بغسل الأموال، وهي تهمة أقرب للهزل منه للتلفيق. فالمدعي عليهم من بينهم من لم يملك مالا سوى راتبه أو معاشه، ومنهم من لم يعمل في حياته بإدارة أموال لا من خلاله شخصيا ولا من خلال أشخاص اعتباريين، ومنهم المساهمون في شركات مساهمة أو المشاركون في شركات أشخاص كشركاء موصين دون أن يكون لهم حق التدخل في أعمال هذه الشركات أو إدارتها طبقا للقوانين المنظمة للشركات في مصر. وليس هناك سوى عدد قليل لا يتجاوز عدد الأصابع الواحدة يعملون كرؤساء مجالس إدارات أو مديرين لشركات تضم مساهمين أو شركاء آخرين، وهؤلاء وأولاء يملكون حصصهم من أموالهم الخاصة منذ فترات بعيدة تمتد إلى 27 عاما بمصادر أموالهم مشروعة، ومعلومة للكافة، وهي تتلخص في كونها إما مدخرات بعض الأساتذة من المدعي عليهم الذين تمت إعادتهم للخارج أو إيرادات ذوي المهن الحرة من المدعي عليهم أو أرباح حصصهم في الشركات التي يساهم فيها أو يشترك في رأسمالها بعض المدعي عليهم، أو أموال منقولة بالميراث من ذوي بعض المدعي عليهم من رجال الأعمال.

وكل أحوال الأشخاص الطبيعيين الذين يشغلون مناصب حكومية مرصودة بإقرارات الذمة المالية التي قدمت إلى هيئة الكسب غير المشروع من خلال مصالحهم الحكومية. كذلك أموال رجال الأعمال الذين يتعاملون مع القطاع العام مرصودة بإقرارات ثرواتهم المقدمة منهم إلى مصلحة الضرائب، ولم يحدث أن أتهم أحدهم بالكسب غير المشروع على الرغم من تعاملاتهم الواسعة، مع الحكومة المصرية طيلة حياتهم العملية.

وجميع الشركات التي يساهم أو يشترك فيها بعض المدعي عليهم تقوم بتقديم ميزانياتها السنوية إلى مصلحة الضرائب، وكثير منها تمت تسوية مواقفهم الضريبية، ولم يسبق لأحدهم أن كان محلا للشك أو الإتهام من جانب وحدة مكافحة غسل الأموال التي تم إنشاؤها بالبنك المركزي تنفيذا للمادة الثالثة من القانون رقم 80 لسنة 2002 بشأن مكافحة غسل الأموال، ولم يحدث أن قامت هذه الوحدة بعمل تحريات أو فحص إخطارات وردت إليها بشأن قيام أيا من المدعي عليهم بعمليات مالية يشتبه في أنها تتضمن غسل الأموال طبقا للمادة الخامسة من نفس القانون. كما لم يطلب هذه الوحدة من النيابة العامة أتخاذ التدابير التحفظية على أي من المدعي عليهم على النحو المبين في المواد 208 مكرر من قانون الإجراءات الجنائية، كما لم يحدث أن قامت هذه الوحدة (وحدة غسل الأموال) بأية أعمال ضبط لأي من المدعي عليهم على الرغم من منحهم صفة مأموري الضبط القضائي طبقا للمادة السادسة من قانون مكافحة غسل الأموال، كما لم يسبق ورود أي إخطارات من المؤسسات المالية التي نص عليها القانون على سبيل الحصر إلى وحدة مكافحة غسل الأموال – تنفيذ بقيام أي من المدعي عليهم بأي عملية مالية يشتبه في أنها تتضمن غسل آموال وهو ما نصت عليه المادة الثامنة من نفس القانون، أو قيام أي من المدعي عليهم بفتح حسابات أو تحويل أموال أو ربط ودائع أو قبول أموال أو ودائع مجهولة أو بأسماء صورية أو وهمية.

كما تخلو سجلات ومستندات المؤسسات المالية المذكورة بالمادة الأولى من نفس القانون من أي قيد يفيد بقيام أي من المدعي عليهم بصفتهم الشخصية أو من خلال الشخصيات الاعتبارية التي يساهمون أو يشتركون في رأسمالها بأي سلوك مالي بقصد به إخفاء المال أو تمويه طبيعية أو مصدره أو مكانه أو صاحبة أو صاحب الحق فيه – وهو القصد الجنائي المطلوب توفره لإثبات جريمة غسل الأموال طبقا للمادة الأولى ب من نفس القانون.

وعلى الرغم من خلو محاضر التحريات من أي دليل أو دلائل أو وقائع مالية أو مستندات أو إخطارات مقدمة من المؤسسات المالية أو إتهامات موجهة من وحدة مكافحة غسل الأموال ضد أي من المدعي عليهم – وبالرغم من نفي المدعي عليهم القطع لهذا الإتهام الوهمي في أوراق التحقيق – فقد أصدرت نيابة أمن الدولة قرارها باستمرار حبس المدعي عليهم، كما أصدرت النائب العام قرارا بالتحفظ على أموال 21 شخص من المدعي عليهم الحاضرين وأزواجهم وأبنائهم القصر- مخالفا بذلك نص المادة الخامسة من قانون مكافحة غسل الأموال التي تنص على أن وحدة مكافحة غسل الأموال هي الجهة المناط بها أعمال التحري وفحص التقارير والإخطارات والمعلومات الواردة من المؤسسات المالية والمتعلقة بشأن العلميات التي يشبه في أنها تتضمن غسل الأموال، كما أنها الجهة المناط بها إجرائيا مسؤلية إبلاغ النيابة العامة بما يسفر عنه التحري ولها أن تطلب من النيابة العامة إتخاذ التدابير التحفظ ضد المدعي عليهم على النحو المبين في المواد 208 مكرر أ،ب،ج من قانون الإجراءات الجنائية.

وبناءًا عليه فإننا نتسأل كيف تأتي للنيابة توجيه تهمة غسل الأموال إلى المدعي عليهم دون تحريات من جانب وحدة مكافحة غسل الأموال، ودون ورود إخطارات من المؤسسات المالية عن علميات مالية محددة يشتبه في تتضمن غسل أموال أو تنطوي على قصد إخفاء أموال أو تمويه طبيعتها أو مصدرها أو صاحب الحق فيها؟ ثم أين هي الجريمة الأولى وهي في نظر النيابة "الإرهاب" التي يشترط توفرها قبل إرتكاب جريمة غسل الأموال وهو شرط يوجب صدور حكم قضائي نهائي ضد مرتكب الجريمة الألى سواء أكان شخصا طبيعيا أم شخصا إعتباريا قبل توجيه الإتهام لمرتكب الجريمة الثانية وهي غسل الإموال المترتبة عن الإرهاب أو تمويلية؟ وهل تمويل الجمعيات الخيرية أو التبرع للمؤسسات الصحية أو الرياضية أو الاجتماعية أو السياسية، أو مساندة الشعب الفلسطيني في محنته – يعتبر من قبيل أعمال غسل الأموال؟ ومن هو المتهم بالإرهاب على النحو المنصوص عليه في المادة 86 من قانون العقوبات، وهل ثبت عليه ذلك الإتهام من خلال حكم قضائي نهائي.

إن نيابة أمن الدولة قد وجهت إلى المدعي عليهم تهمة الإنتماء إلى جماعة محظورة في نفس الوقت الذي تتهمهم فيه بغسل أموال الجماعة المحظورة، فكيف يمكن لمرتكب الجريمة الأولى بإرتكاب الجريمة الثانية في نظر النيابة؟ وكيف يقوم المتهم بالإرهاب باستثمار الأموال المتخصصة عن الإرهاب بنفسه أو من خلال شركاته؟ إن القصد من جريمة غسل الأموال هو إضفاء الشرعية على المال غير المشروع باستثماره في أنشطة مشروعة يتولاها أشخاصا لا شبهة فيهم ولا علاقة لهم بالنشاط غير المشروع، فتاجر المخدرات مثلا لا يقوم بنفسه باستثمار أموال المخدرات وإنما يدفعها إلى آخرين من الأشخاص الطبيعية أو الأعتبارية المشروعة وبذلك فإن جريمة غسل الأموال لا يقوم بها مرتكب الجريمة الأولى ولا يسوغ إتهامه بالاتجار في المخدرات إلى جانب إتهامة بغسل الأموال في تجارة المخدرات ذاتها ومع ذلك فقد وجهت نيابة آمن الدولة تهمة غسل الأموال إلى جانب تهمة الإنتماء إلى جماعة محظورة "كان" الإرهاب من وسائلها – إلى "المدعي عليهم"!!

هكذا جاء الإتهام مرسلا دون أي دليل أو سند من القانون سواء بشأن الجريمة الإفتراضية الأولى وهي "الإرهاب" الذي "كانت" تمارسه الجماعة المحظورة – أو الجريمة المختلقة الثانية وهي غسل الأموال المترتبة عن "الإرهاب" الذي يمارسه المدعي عليهم.
وجاء حكم محكمة الجنايات في الطعن المقدم بتاريخ 29/1/2007 من عدد 16 شخصا من المدعي عليهم ضد قرار نيابة أمن الدولة باستمرار حبسهم حبسا إحتياطيا – جاء ليدمغ الأيدي الآثمة التي حررت محاضر التحريات ليؤكد خلو أوراق الدعوى من أي دلائل أو أسباب تدعو إلى التحفظ على المدعي عليهم، وليأمر بإخلاء سبيل كل المعروضين عليه فورا وبدون ضمانات لعدم جدية الإتهامات وانتفاء أسباب التحفظ على المدعي عليهم.

وبدلا من أن تقوم وزارة الداخلية بتنفيذ حكم المحكمة الصادر ضد قرار نيابة أمن الدولة - فقد سارع وزير الداخلية بإصدار قراره في مساء ذات اليوم بإعتقال جميع الأشخاص الذين تم إخلاء سبيلهم ليؤكد الدوافع السياسية للإتهامات الموجهة ضد المدعي عليهم واستمرار التربص بهم وحرمانهم وغيرهم من حقوقهم التي كفلها القانون لهم.

وإمعانا في حرمان المدعي عليهم جميعا من فرص النقض أو الاستئناف أو المثول أمام قاضيهم الطبيعي- أصدر رئيس الدولة قرارا متزامنا بتحويل أوراق الدعوى إلى المحكمة العسكرية التي لا تتوفر فيها الضمانات القضائية أو القانونية التي كفلها الدستور للقضاء المدني، وفي ذات الوقت أحال النائب العام قراره بالتحفظ على أموال المدعي عليهم وأزواجهم وأبنائهم القصر إلى إحدى الدوائر بمحكمة الجنايات المعروفة بمجاملاتها للنظام الحاكم لتأييد القرار طبقا لما تنص عليه الإجراءات القانوية بشأن التدابير اللازمة للتحفظ على الأموال. وكانت المهزلة الكبرى أمام قضاة هذه الدائرة صباح 24 فبراير 2007 حيث إفتتح رئيس المحكمة الجلسة برصد أسماء المدعي عليهم وأسماء المحامين عنهم الذين بلغوا 29 محاميا، بدأها أحد المحامين بطلب وقف السير في الدعوى لحين فصل المحكمة الدستورية في طلب التنازع المقدم من المدعي عليهم بشأن تعرضهم لمحاكمتين عن نفس التهمة، أحدها مدنية والأخرى عسكرية ثم تلاه محام آخر يطلب الإطلاع على المستندات المالية المحرزة بمعرفة النيابة لتحديد المواقف المالية لبعض المدعي عليهم الذين تم إغلاق شركاتهم أو الشركات التي يساهمون أو يتشركون فيها فإذا بممثل النيابة يعلن أمام الملأ عدم وجود أي مستندات لدى النيابة وعلى الفور أعلن رئيس المحكمة عن رفع الجلسة فظن الناس أنه سوف يقوم بسماع دفاع المهتمين بعد صلاة الظهر التي ارتفع نداؤها بالمحكمة فإذا به يعود ليعلن تحديد جلسة 28/2/2007 للنطق بالحكم دون سماع دفاع المدعي عليهم وفي صباح يوم جلسة الحكم أخلى رئيس المحكمة القاعة من أقارب المدعي عليهم ومن المحامين – وأعلن حكمه بتأييد قرار النيابة دون إعتبار بأن زوجات المدعي عليهم وهن ايضا محل قرار التحفظ المالي يقفن خارج المحكمة وهكذا صدر الحكم في غير مواجهة لنصف عدد المتحفظ علي آموالهم من النائب العام، ولا في مواجهة محاميهن ودون السماح بالمرافعة.

وهكذا تدار العدالة بتوجيه من الحزب الحاكم وبما يمثله من خصومة سياسية فلا أدلة ولا مستندات ولا اعترفات ولا دفاع ولا إحترام لحقوق المدعي عليهم، ولا تطبق لإجراءات القانون الذي يحاكم المدعي عليهم تحت طائلته، ولا فرص للنقض أو الاستئناف أو الاعتراض، والمحكمة العسكرية تواجه المدعي عليهم بنفس منطوق الإتهامات الموجهة من نيابة أمن الدولة دون إعادة تحقيق أو تحري أو تطبيق الأجراءات القانونية المنصوص عليها في القانون الجنائي وقرار النائب العام يفيض في أغلاله عما طلبته النيابة، وطلبات النيابة المذكورة وإتهاماتها تتجاوز الاتهامات المرسلة الواردة بمحاضر التحريات، ومحاضر التحريات محررة من غير ذي صفة، وتفتصر على ما نشرته المجلة المشبوهة الخاضعة لحكومة الحزب الحاكم من قذف في حق المدعي عليهم وأغلبها تسريبات أمنية لتلك المجلة وغيرها من الصحف الحكومية.

ولا شك أن المراقب لما يحدث في مصر في الأونه الأخيرة سواء من تعديلات دستورية هي بمثابة انقلاب دستوري كما سماها البعض وما سبقها من إجراءات وتسارع مريب في إقرارها دون التفات لأراء المعارضة والمثقفين أو القضاة في مصر ثم الترتيب لأنتخابات مجلس الشورى دون إشراف قضائي ثم التمهيد لحل مجلس الشعب في ميعاد انتخابه في ظل هذه التعديلات الدستورية المشبوهة ثم التمهيد لتوريث الحكم في مصر يعرف لماذا اتخذت هذه الإجراءات ووجهت كل هذه الاتهامات للشرفاء من ابناء هذا الوطن.

1 تعليق :

  1. Anonymous said...
    السلام عليكم
    ده نظام قذر
    لا يستحق الا ان يلقي في مزبلة التاريخ
    ربنا يخدهم
    ويجحمهم
    مبارك وعصبته
    حسبنا الله ونعم والوكيل

أضف تعليقك