مدونات ضد المحاكمات : الحرية لمدحت الحداد | الحرية لعصام حشيش | الحرية للدكتور بشر | الحرية لضياء فرحات | الحرية لخيرت الشاطر | الحرية لحسن مالك


في كتابه »الآن أتكلم« صفحتي 230 و231 كتب »خالد محيي الدين« اطال الله عمره ومده بالصحة والعافية ما أذهلني عندما قرأته منذ ان صدر الكتاب عام ،1992 وكيف يمكن »صناعة« مواقف يمكن من خلالها اغتيال الخصوم وتشويه صورته وتلطيخها بما ليس حقيقيا، بل افتراء، يقول خالد عن بعض وقائع عام الثورة الاول: ».. وفي هذه الاثناء فكر صلاح سالم في ان يحدث »فرقعة« تمكن الثورة من أن تضرب خصومها قبل أن يتحركوا او حتي يفكروا في التحرك، وأعلن انه يمتلك وثيقة مهمة تفيد ان السفارة الامريكية تتصل بالساسة القدامي وتتآمر معهم للإعداد للتحرك ضد الثورة«.

»ووقع الجميع في الفخ، وعقد اجتماع جماهيري في ميدان عابدين، ووقف فيه صلاح سالم معلنا أنه يمتلك وثيقة خطيرة، وتحدث نجيب - محمد نجيب - وجمال عبد الناصر منددين بالمؤامرة!! التي تحاك ضد الثورة، وأعلن عن تشكيل »محكمة الثورة« لمحاكمة المتآمرين«!!


ثم يكتب خالد أيضا: »وعندما عقدت المحكمة اكتشفنا حقيقة »الفرقعة« التي اوقعنا صلاح سالم في مطبها، فلم تكن هناك مؤامرة، فقط تمت مراقبة أفادت موظف بالسفارة الامريكية لإبراهيم عبد الهادي - رئىس وزراء سابق في العهد الملكي - في بيته، ولا شىء آخر«.

بقي أن تعرف عزيز القارئ، انه بناء علي هذه المؤامرة »المفبركة«، اصدرت المحكمة حكمها بإعدام ابراهيم عبد الهادي، لولا يقظة ضمير بعض الضباط مثل خالد، لشنق الرجل ظلما وبهتانا فقد خفف الحكم من الإعدام الي الاشغال الشاقة!!


وروي خالد كذلك ان جمال عبد الناصر قد تحدث معه شاكيا من صلاح سالم وقال: »انه ورطنا في هذا الامر قائلا ان هناك وثيقة، وبعد ذلك اكتشفنا انها مجرد كلام عادي، وانها لا تشكل دليلا ضد احد، وبعد الاعلان عن المؤامرة تورطنا وكان لابد من تقديم أشخاص للمحاكمة«!!


وكانت هذه الواقعة من الخطوات المؤسفة التي اوقعت الثورة في سنتها الاولي في جب استبداد دفعنا جميعا ثمنا غاليا له، ومازلنا.

ان النظم المستبدة لديها من الجرأة علي الحق ما يسهل لها ان تختلق الذرائع والاسباب المجافية للحقيقة، ومن هنا فما من وقت يمر إلا ونشهد غارة من النظام القائم حاليا علي صرح من صروح الحرية اوا لعمل الوطني، طالما كان هذا الصرح او هذا العمل لا يسبح بحمده ويسعي في ركابه، ويشارك في افتراءاته.


لكننا، من حسن الحظ حقا، نلمس في الوقت نفسه يقظة تقف بالمرصاد لمثل هذه التجاوزات التي تسعي الي اغتيال حق الانسان المصري في العمل مستقلا او التفكير بغير منطق المسايرة، لعل ابرز الأمثلة الحالية ذلك التضامن الشعبي والثقافي والاجتماعي المساند لهذه الكوكبة من رؤساء تحرير عدد من الصحف الوطنية وبعض صحفييها من اغارة النظام واعوانه عليها بهدف ادخالهم بيت الطاعة.


وهناك قضايا اخري متعددة، سابقة، وحالية، لابد ان نحمد بالفعل هذه اليقظة المواكبة المساندة، لأن المؤشرات كلها تشير الي افتئات النظام، بحكم طبيعته »الارهابية«، ذلك لأن الارهاب بكل ما يتضمنه من اغيتال لأبرياء وتخريب وتدمير بغير حق، ليس ارهاب افراد او جماعات فحسب، بل إن ما هو اخطر منه ما تمارسه النظم المستبدة، كما نري كثيرا منها في عالمنا العربي مع الاسف الشديد، في الوقت الذي تقف فيه هذه النظم من القوي الكبري موقفا يتسم بالتفريط والخنوع، وكذلك نري هذا من النظم العنصرية مثل اسرائىل وما تقوم به ازاء الفلسطينيين، والدول الكبري وخاصة الولايات المتحدة الامريكية كما يتبدي لنا في افغانستان والعراق حاليا.


لكن هناك قضية اخري علي درجة عالية من الخطورة، لا تحظى باهتمام مماثل من قبل القوة الضاربة للمثقفين واجنحة مختلفة من الرأي العام، ألا وهي القضية الخاصة بمجموعة معظمها من بناة الاقتصاد الوطني بغير مضاربات ولا نهب اموال بنوك، وعلماء علي درجة عالية من العبقرية والابداع، واساتذة جامعات عرفوا بين طلابهم بالاخلاص والعلمية، ولأن كل هؤلاء ينتمون الي جماعة يخاصمها النظام ويخشي منها علي نفسه من اتساع دائرة شعبيتها، وعلي العكس من ذلك، اتساع دائرة الكراهية له، لم يتورع عن التذرع بالعديد من الاسباب التي تجانب الحقيقة كي يحيلهم الي محاكمة عسكرية استثنائية لم يحل إليها من أغرق اكثر من ألف مصري، ومن تسببوا في التعذيب والتشريد، وسرقوا اموال آلاف المصريين في البنوك.


لنختلف مع الاخوان ما شئنا، ولنتغاير معهم في النهج والهدف، ولكن ازاء مثل هذه المحاكمات العسكرية لابد من التآزر والتكاتف لرفع الظلم الواقع علي مجموعة من خيرة المواطنين الشرفاء.


اعرف استاذا جامعيا كان يكتب ضد احدي الدول، ثم تصادف بعد سنوات ان ذهب اليها معارا، فإذا بطالب يطلب زيارته، فلما تمت الزيارة، وخرج الطالب اذا بقوات امن تقتحم شقة الاستاذ، حيث كان الطالب قد ترك مظروفا به كم من المال، بالاتفاق مع الامن وتدبيره، ولم ينتبه الاستاذ وهو يودع طالبه الي ذلك مع الاسف، واتهموه بناء علي ذلك بالرشوة، وتم سجنه ليلوث شرفه!


واعرف كذلك استاذا كبيرا في التربية كان يرأس جمعية علمية، لم تترك مفكراً او مثقفا من كبار المثقفين والمفكرين في مصر الا وعقدت له ندوة كبيرة، بحيث تحولت هذه الجمعية الي اكبر ساحة ثقافية مدة عشر سنوات، ثم جاء احد وزراء التربية ليحاول ان يجعل من الاستاذ والجمعية ابواقا له، فلما رفض الاستاذ لجأ الي تلك الوسيلة المعروفة: تلويث الخصم بأي صورة، وتمت الاغارة علي الجمعية وحلت وفصل الاستاذ واشاعوا عنه ما يدخل في باب الافتراء والكذب، حتي لقد وقع احد المساهمين في المؤامرة بلسانه لصديق مشترك بينه وبين الاستاذ حيث قال: »لو لم نفعل ذلك فسوف يظهر كشهيد رأي امام الناس، ونكون نحن المتهمين«!!


وهكذا، هناك حكايات ووقائع متعددة، كلها تشير الي هذا النهج الغادر الذي يخشي المواجهة الحقيقية، لأنه يعرف حقيقة نفسه وشرف خصمه، فيعمد الي التشويه بغير حق، ويسعي الي التلويث افتراء، فيسهل له ذلك افتراس الخصم او القذف به في غيابات السجن، حتي لقد عبر المثل الشعبي عن ذلك بالقول »ياما في الحبس مظاليم«!!


عندما تحدثت مع احد الاصدقاء بموضوع المقال قبل كتابته، لم يوافقني حقيقة علي ذلك، وكانت حجته أنني كتبت منذ اسبوع في جريدة الدستور أبدد فيه شائعات غير صحيحة يصور فيها البعض تعاطفا لي مع الاخوان المسلمين، وكان ردي للصديق ان الجهر بالحق هو صورة من صور قول »الشهادة« التي أمرنا الله عز وجل بألا نكتمها، والا فسوف نكون في نظره سبحانه وتعالي ممن ينطبق عليه الوصف القرآني »آثم قلبه«!!


بل ان المقال الحالي يعزز النفي الذي اشرت اليه، وكيف أننا، فيما نكتب هنا وهناك انما نسعي لرفع ظلم، وتبديد فكر خاطئ، وكشف فساد، لا يحدونا في ذلك الا وجه الحق، ودليلنا القوي، والذي يعرفه جيدا كل من اقترب منا، اننا بعيدون تماما عن شبهة الطمع في منصب او الوقوع في اغراء مال، ويكفي اننا تجاوزنا السبعين من العمر، لم نغير فيه نهجنا منذ عشرات السنين، وكان يمكن ان يتغير حالنا »المادي« و»السلطوي« كثيرا، لكن حمدا لله آثرنا »الاستغناء«، والذي نراه هو الغني الحقيقي والسلطة الفعلية!!


وقديما انتقد الفيلسوف الاغريقي الشهير »أرسطو« استاذه »افلاطون«، فلما عاتبه البعض علي ذلك كان رده حكيما حقا، حتي لقد اصبح حجة وحكمة يعتد بها علي مر القرون، فقد قال ارسطو ان استاذه افلاطون هو حقا عزيز عليه، ولكن الحق اعز عليه من استاذه، وأنا اقول ربما بوجه آخر مختلف: ان سجناء المحاكمة العسكرية من جماعة لا انتمي اليها، لكن هذا لا يجعلني اتقاعس ابدا عن قول الحق لصالحهم، مادمت مقتنعا بذلك بناء علي متابعة.


ان ما يؤلمني حقا انني كثيرا ما اجد استنفارا من كتاب كثيرين للدفاع عن كتاب صودر، ويكون الاستنفار كبيرا، وانا كثيرا ما اجد بالفعل ان مصادرة الفكر ايا كان هو مصادرة لحق الانسان في التعبير وان الوسيلة المثلي هي ان يصدر المخالفون كتابا مغايرا يشرحون فيه وجهة نظرهم ويناقشون من يخالفهم، وان المصادرة تخدم صاحبها فتروج لكتابه ويصبح مشهوراً.


اما وجه الالم، فهو اننا لانري استنفارا مماثلا عندما تصادر ملايين من الجنيهات كانت تسهم في بناء الوطن، فتغلق مصادر كسب حلال ورزق لمئات من العائلات لا ذنب لهم، وتعطل مصالح، وتتواصل أنهر من المآسي والدموع في عشرات البيوت.


بل ولعل هذا أيضا يذكرني بهذه القضية المأساة المسكوت عنها، وهي مصادر حزب كبير مثل حزب العمل، وصحيفة كانت من أخطر الصحف المعارصة »الشعب«، رغم حصولهما علي ما يزيد علي 13 حكما قضائيا ينصفهما.. ولانجد احدا يصرخ من اجل هذا.


لماذا لو كانت القضية تتصل بإسلاميين، لا نجد مساندة وتدافعا للدفاع عن حقوق تهدر وحريات تصادر ومصالح تهدد بالخراب؟

اننا نطالب بحق كل مواطن في التعبير عن حقه في حرية التفكير والعمل، مهما كان توجهه، ومهما كانت عقيدته، فإذا خرج عن الاصول والقواعد، فهناك الطريق العادل: الحوار والمناقشة، واقصي ما يمكن ان يصل اليه هذا هو محاكمة المواطن امام قاضيه الطبيعي، لأننا بالفعل نثق في عدالة القضاء.


ان السكوت علي اهدار حرية الآخرين، اذا كنت مختلفا معهم، انما يفتح الطريق للسكوت علي اهدار حرية اي مواطن، ذلك لأن الحق لا يتجزأ، والحرية هي الحرية، سواء لي أو لك، مادام المعيار هو الحكم العادل!

0 التعليقات :

أضف تعليقك