مدونات ضد المحاكمات : الحرية لمدحت الحداد | الحرية لعصام حشيش | الحرية للدكتور بشر | الحرية لضياء فرحات | الحرية لخيرت الشاطر | الحرية لحسن مالك

ليس أقسى من الإحساس بظلم الحبس إلا الإحساس بافتقاد العدالة أمام القاضي الطبيعي الذي يستطيع النطق بالبراءة دون رقيبٍ أو حسيب.


وليس أشد من ظلم المحاكمة أمام محكمةٍ عسكريةٍ استثنائية تفتقد إلى أبسط وأهم ضمانات العدالة إلا الشعور بجريمة الصمت المطبق أمام هذا الظلم وسكوت الكافة عن إدانة الظالم وخفوت الصوت المطالب برفع الظلم عن الشرفاء والأبرياء.


لم يكسر حاضر الصمت الرهيب إلا بضعة أصوات شريفة ارتفعت على استحياءٍ في كلماتٍ مُعبِّرة عن الإدانة التامة لهذه المحاكمة المريبة التي تتم في الظلام بعيدًا عن مراقبة الرأي العام، وفي الثكنات العسكرية؛ حيث يتم منع مراقبي حقوق الإنسان وكل كاميرات الإعلام سواء أكانت تليفزيونية أم صحفية، وحتى مراسلي الصحف لا يسمح لهم بالحضور، وكأننا أمام جريمة قتل منظمةٍ لكل حقوق الإنسان.


لقد دفع هذا التعتيم الشديد 12 منظمة لحقوق الإنسان أن تصدر بيانها؛ إدانةً لهذا الأسلوب الذي ينتهك مبدأً قانونيًّا دستوريًّا هو علانية المحكمة؛ لأن الأحكام تصدر باسم الشعب، فكيف يتم محاكمة شرفاء ورجال أعمال وأساتذة جامعات بعيدًا عن رقابة الشعب الذي سوف تصدر الأحكام باسمه وهو منها براء؛ لأنه طالما أعطى ثقته وتأييده لهؤلاء الشرفاء في كل المناسبات؟!

لقد قضى هؤلاء الأبرياء الذين قضت المحاكم الطبيعية العادية بإطلاق سراحهم عدة مرات سنةً كاملةً خلف الأسوار يمر عليهم اليوم بعد اليوم، والشهر بعد الشهر في معاناةٍ لا يعلمها إلا مَن عاشها وقاسى آلامها بعيدًا عن الأهل والأحباب، وبعيدًا عن الزوجة والأولاد، وبعيدًا عن الأعمال والمسئوليات.. تموت الأم فلا تجد ابنها بجوارها في لحظاتها الأخيرة، وتمرض الزوجة أو الأولاد فلا يشعرون بحنان الزوج أو الأب الذي يصحبهم إلى الطبيب ويناولهم الدواء، ويسهر على راحتهم، وتنهار المؤسسات والشركات وتُفلس بسبب غياب الراعي والمؤسس فيتشرد عشرات ومئات الموظفين والعمال، وتعاني عشرات البيوت والأسر.


لا يخفف من هول هذه المعاناة إلا الإيمان بالله الحنان المنان، القوي المتين، المنتقم الجبار، سبحانه وتعالى، وهو وحده الذي يخفف ويهون من الإحساس بالظلم والقهر، فتنزل رحماته على النفوس وعلى البيوت وعلى الجميع بردًا وسكينةً ولطفًا ومنةً، فسبحانه من إلهٍ حكيمٍ خبير.


وتستمر جلسات المحاكمة وتطول إلى أكثر من 30 جلسةً، وقد تصل إلى الخمسين في جدلٍ عقيمٍ لمناقشة تقارير يثبت أنها غير سليمة، وتُهدر الأوقات بعد الأوقات، ولا يتم الاستجابة لطلبات الدفاع المعقولة، وتتساقط رغم كل ذلك الاتهامات واحدًا بعد واحدٍ كأوراق الخريف الهشة، فلا يثبت منها أي اتهامٍ في حقِّ الشرفاء، وفي مقدمتها تهمة الإرهاب، وهم بعيدون عنه كل البعد وأدانوا في حياتهم كل عنفٍ بل لم يمارسوا أي قسوةٍ أو شبهة عنف بل كانوا الهداة التقاة الذين يرشدون الشباب والطلاب إلى سُبل العمل السلمي الإسلامي لخدمة أوطانهم ومجتمعاتهم، ويشهد لهم الجميع حتى خصومهم ومنافسيهم.


وتظهر الحقيقة الناصعة أمام الاتهام الظالم بغسيل الأموال، تلك التهمة التي طنطنت لها الجرائد الحكومية والإعلام الحكومي فلم نجد في الأوراق تلك المليارات الوهمية التي نسبتها أجهزة الأمن لهؤلاء الشرفاء، ولم نجد ذلك التمويل الأجنبي الذي سارع حملة الأقلام المسمومة بدم الشرفاء في ترويجها ضدهم، ولم نجد أي شبهةٍ في كسبٍ حرامٍ أو تهرب من الضرائب أو امتناع عن دفع أي رسوم، بل كانوا شرفاء في عملهم التجاري، وفي سعيهم لتنمية بلدهم ووطنهم، وفتح أبواب الرزق أمام المئات من العمال الذين شردتهم تلك القضية الوهمية.


لقد دفع ذلك الأخ المهندس خيرت الشاطر إلى المطالبة بإعفاء المتهمين من الحضور والمشاركة فيما سمَّاه المسرحية الهزلية، ولكنها ويا للحسرة مسرحية بلا جمهورٍ يحكم على أداء المشاركين فيها، وذكرني ذلك بيومٍ وقفتُ أنادي باسم زملائي وإخواني في قضيتنا عام 1995م أمام محكمةٍ عسكريةٍ بإعفائنا من تجشم مشقة الحضور بعد أن ظهرت دلائل تهافت الاتهامات وانحياز الضباط العظام الذين يقومون بدور القضاة، وقررت هيئة الدفاع الانسحاب فما كان من اللواء رئيس الجلسة إلا أن قضى بندب عدة محامين لاستكمال شكل الدفاع وحبس عشرين من إخواننا كانوا يحضرون الجلسات وهم مطلقو السراح، ثم كانت الأحكام بعد بضعة جلساتٍ مباشرة لتوزع على الإخوان ما بين 3 إلى 5 سنوات سجنًا مع الأشغال الشاقة على تهمة الانتماء للإخوان المسلمين، وكان من بيننا من قضى سنواتٍ طويلةٍ في نفس التهمة في العهود السابقة.


لم يتبقَّ في قائمة الاتهامات إلا الانتماء إلى الإخوان المسلمين وحيازة مطبوعات تدعو لفكر الإخوان المسلمين، ويا للقدر الذي جعل لجنة مجمع البحوث الإسلامية تُصدر تقريرها منذ أيامٍ حول بعض هذه المطبوعات لتقول بأعلى صوتها أنها تُعبِّر عن فكرٍ إسلامي معتدل مستنير، ويا للظلم البين عندما يتم محاكمة هؤلاء على غير جريمةٍ أو يتم معاقبة بعضهم على اتهامٍ واحدٍ ظالمٍ عدة مرات مثل المهندس خيرت الشاطر ومحمد بشر اللذين قضيا سنواتٍ طوالاً خلف الأسوار على نفس التهمة، وأمام نفس المحكمة العسكرية، وهو ما يتنافى مع أبسط قواعد العدالة.


إن الصمت على هذه المحاكمة العسكرية جريمة، وإن السكوت على هذا الظلم البين جريمة.
فليرفع الشرفاء من كل الاتجاهات أصواتهم؛ إدانةً لهذا الظلم ولذلك التعتيم المقصود على جريمةٍ تُرتكب في الظلام ومن وراء الشعب.

وعلى كل رجال الإعلام والصحافة وأصحاب الأقلام أن يساهموا في تخفيف المعاناة عن هؤلاء الأبرياء، وأن يشاركوا في فضح تلك الممارسات القمعية ضد الإخوان الذين لا ذنبَ لهم، إلا أنهم مصممون على الاستمرار في المشاركة السلمية من أجل بناء وطنٍ حرٍّ مستقل، ورفع الصوت عاليًا ضد الظلم والفساد والقهر والاستبداد.

إن استمرار هذه المحاكمة الظالمة جريمة، والسكوت عن إدانتها جريمة أشد، والصمت عن فضحها وكشف المستور منها جريمة أشد نكرًا.

0 التعليقات :

أضف تعليقك