مدونات ضد المحاكمات : الحرية لمدحت الحداد | الحرية لعصام حشيش | الحرية للدكتور بشر | الحرية لضياء فرحات | الحرية لخيرت الشاطر | الحرية لحسن مالك


المسألة لا تتعلق بإحالة قيادات إخوانية إلى محاكم عسكرية، المسألة تتعلق بالزمن والتاريخ والجغرافيا، وفوق كل ذلك ببعدها الإنساني المحض، والأخيرة على وجه التحديد هي المحك الذي يختبر عنده الجوهر الإنساني للنظام السياسي، ومكانة ومنزلة "الإنسان ـ المواطن" على أجندة أولوياته، حتى لو كان منافسا سياسيا.

لا نريد أن نتكلم هنا عن مغزى إحالة المدنيين إلى محاكم استثنائية، وأضراره البالغة على سمعة القضاء الطبيعي المصري ، أو على الأقل فحوى الرسالة التي سيفهمها الرأي العام الدولي من هذا المنحى، والانطباع الذي سيستقر لديه بشأن "العدالة" في مصر على وجه الإجمال.
القضاء والصحافة ـ على سبيل المثال ـ ليسا أداتين مستقلتين عن أدوات الدولة في إدارة بعض الملفات التي تتسم بالاشتباك "الطارئ"على المستويين الدولي أو الإقليمي، فإذا ساءت سمعة الصحافة على سبيل المثال في الداخل، فإن مصداقيتها في الدفاع عن مصالح الوطن أمام الضمير الدولي ستكون محل شك كبير .. وذات الكلام ينسحب على القضاء أيضا، وأبسط الأمثلة على ذلك أن الأخير ينظر قضايا الجاسوسية التي يتهم فيها مواطنون من دول أجنبية ، فكيف ستطمئن الأخيرة إلى عدالة المحاكم الوطنية ، إذا كانت السلطات بالوطن تتجاوزها وتحيل المدنيين إلى محاكم عسكرية؟!
هذه "بديهية عقلية" مستقرة وثابتة، مثل أن إضافة "واحد" إلى "واحد" يساوي "اثنين".

ما يثير القلق حقا أن قرار إحالة قيادات جماعة الإخوان المسلمين إلى القضاء العسكري بدأ يأخذ منحى لا يسئ فقط إلى مصر، ولكن إلى النظام ذاته، إذ ما انفكت حملات ـ لا يعلم أحد على وجه اليقين مصدرها ـ تنتشر انتشارا بكتيريا على شبكة الإنترنت، تدعي أن الإحالة جاءت بسبب أن الإخوان ليسوا في "خصومة سياسية" مع الدولة ، وإنما في "خصومة عائلية" مع القيادة السياسية، وتدعي أن ثمة أحكاما مغلظة تنتظر المحالين بسبب هذه الخصومة ، وليس لأي سبب جنائي آخر!
مثل هذا الكلام، بالتأكيد يأتي من قبيل "الصيد في الماء العكر"، فلو أن "المتهمين" المدنيين جرت إحالتهم إلى قاضيهم الطبيعي ما كان لأحد أن يجرؤ على أن يدعي مثل هذا الادعاء، أو أن يتسرب إلى نفسه هذا الظن السيئ بالنخبة الحاكمة.

القضاء المدني ـ في قضية متهم فيها مدنيون ـ هو العاصم الوحيد الذي سيعصم الإخوان من "الإدانة" إذا كانوا أبرياء، وسيحرمهم من "البراءة" إذا كانوا "جناة" حقيقيين، وسيعصم بالقدر ذاته القيادة السياسية من التشهير بها واتهامها بما لا يليق بوزن وتاريخ وهيبة مؤسسة الرئاسة في مصر، وسيحفظ للقضاء المصري مكانته وهيبته ومرجعيته واحترامه أمام الرأي العام داخليا وخارجيا.

0 التعليقات :

أضف تعليقك