مدونات ضد المحاكمات : الحرية لمدحت الحداد | الحرية لعصام حشيش | الحرية للدكتور بشر | الحرية لضياء فرحات | الحرية لخيرت الشاطر | الحرية لحسن مالك


بقلم: د. أمير بسام النجار

من أسعد الأيام التي أقضيها مع أسرتي هو يوم عيد الأضحى من كل عام؛ ففي هذا اليوم أجتمع أنا وأسرتي عقب صلاة العيد الأضحى لنشهد ذبح الأضحية، وبعد الذبح يكون الاجتماع على طعامٍ معَدٍّ من جزء الأضحية، ثم يكون آخر النهار موعد زيارات للأهل والأقارب، وفي المساء يكون عشاء أسري، نتناول فيه الأحاديث والذكريات.

وفي محبس هذا العام أقبلت عليَّ العشر الأوائل من ذي الحجة وقارب عيد الأضحى على المجيء، وتنازعت نفسي مشاعر متناقضة، وطاف بعقلي خواطر متباينة، بعضها مصبِّرة وأخرى مثبِّطة، وبعضها يرفعني نحو السماء، وبعضها يجذبني ناحية الأرض، أسأل نفسي: لماذا أُحرَم من أهلي ومن أمي الغالية ومن زوجتي الحنون؟! لماذا أبعد عن أولادي الكبار فضلاً عن الصغار؟ لماذا أكون بعيدًا عن أهلي وأحبائي؟ لماذا تحرم أسرتي فرحة العيد؟ ولماذا يحرمون لحظات السعادة؟ لماذا يفتقدون في برد الشتاء دفء الأب وحنان المشاعر؟!

لماذا يرى صغاري أقرانهم وهم مع آبائهم يخرجون للعيد ثم يعودون للأضحية, بينما هم تعلو وجوههم الصغيرة حسرةَ فراق الأب، وتُزَاحِم عقولهم القاصرة أسئلةٌ حائرةٌ: لماذا أبي ليس معي مثل كل عام؟!

لماذا تذهب الأسر للمنتزهات، بينما يتكبَّد أبنائي مشقة السفر في يوم العيد لزيارتي في السجن؛ حيث زحام وآلام، وجلسات بين أجساد متلاصقة، تكبت فرحة الطفل الصغير، وتسيل دمعة الكبير، ثم لماذا وُضعت في السجن؟ لأنني أحببت وطني، هل لأنني أردت الخير لشعبي؟

هل لأنني أريد الإسلام حكمًا ومنهاجًا؟ لماذا أوضع في السجن؟ هل لأنني فضحت الفساد والمفسدين؟ وقاومت الاستبداد والمستبدين؟ هل لأنني نصحت حكام بلادي ولكن للأسف لا يحبون الناصحين؟!

ودارت في نفسي مشاعر مريرة.. لماذا العذاب؟ لماذا السجين والسجان؟ وأغمض عيني فأتذكر عددًا غفيرًا من الناس عند أمي ليأخذوا نصيبهم من اللَّحم، وإن كان هذا يحدث كل عام، إلا أنه في العيد الماضي كان مثيرًا تساؤلات عديدة.

دارت في نفسي زحام عراك بين الفقراء ثورة جياع محدودة أمام منزل أمي الغالية، حينما رأيت تجمُّع الفقراء وتزاحمهم ولهفتهم على قطعة من اللحم، يسدُّون بها رمق صغارهم، أحسست بمدى جرم هذا الظلم الذي أفقره وأذل نفسه، وأذهب كبرياءه، حتى إنه يتقاتل مرة كل عام من أجل قطعة لحم!!.

وكأن النظام قد حاسبني على خواطري، فكان اعتقاله لي بعدها بساعات، وكانت التهمة أنني مشارك في لجنة البر والتي تساعد الفقراء والمساكين.. يا له من نظام!! ويا لها من اتهامات!!.

ظلت مشاهد العيد السابق وما قبله من الأعياد وغيرها من الذكريات تمر بخاطري، فتزيد ألمي.. تضع الحسرة في قلبي.. تسكب المرارة في فمي.. ذهب النوم من عيني.. أخذ الأرق يرافقني!!.

ومع تكرار المشاهد ووسوسة الشيطان.. لم أجد إلا رفيقي الدائم ألجأ إليه.. أشكو إليه بثي وحزني.. إنه مصحفي.. إنه القرآن الكريم، فتحت المصحف ووقعت عيناي على آيات في سورة (الرعد) وكأنها خطاب الله لمن هو على حالي فقرأت قوله تعالى (والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرًّا وعلانيةً ويدرأون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار* جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب* سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار).

وكانت الإجابة في الآيات عن تساؤلاتي وافيةً، كأن الله تعالى يقول لي: فراقك لأهلك في الدنيا- إن صبرت عليه- ثوابه اجتماع شملكم في الجنة؛ حيث النعيم المقيم، والثواب العظيم؛ حيث روح وريحان وربٌّ غير غضبان؛ حيث لا صخب ولا وصب ولا نصب ولا همَّ ولا حزن.. بل الفرح والسرور والغنى والحبور.

فوجدتني- بعد قراءة الآيات- أهتف من أعماق قلبي: ربح البيع.. ربح البيع، ستجدني يا رب إن شاء الله من الصابرين، وسأظل يا رب على طريقك من السائرين، وسأتمسَّك بالحق المبين، ولن يثنيني عما أنا فيه ظلم الظالمين.. أقولها ولو ظللتُ بقية عمري سجينًا.

.

1 تعليق :

  1. Anonymous said...
    ربنا يفك أسرك يا د. أمير...
    ونفسي لو يوصله سلامي، ونفسي أقوللك إن الطلبة بعد أمّا عينوا رئيس قسم مكان حضرتك في طب أزهر أسيوط كتبوا على باب مكتبه (مكتب حضرتك): ربنا يرجعك بالسلامه يا د. أمير..
    كل الطلبه بيحبوك وبيدعوا ترجعلهم قبل أسرة حضرتك..
    ....
    أنا مش طالب في الكلية دي.. بس سمعت الموقف دا من واحد قريبي هناك..

أضف تعليقك