مدونات ضد المحاكمات : الحرية لمدحت الحداد | الحرية لعصام حشيش | الحرية للدكتور بشر | الحرية لضياء فرحات | الحرية لخيرت الشاطر | الحرية لحسن مالك

يوم الإثنين 11/2/2008 كانت الجلسة رقم 69 في القضية 2 لسنة 2007- المحكمة العسكرية العليا؛ أردت أن أذكِّر نفسي ومن معي وكلَّ من حضر الجلسات وكلَّ من يقرأ تلك الكلمات لعلَّ الذكرى تنفع؛ فما بقي لنا شيء بعد أن جرَّدونا من كل شيء إلا التذكير والكلام.

أولاً أود أن أشكر كلَّ من وقف بجانبنا من منظمات وشخصيات من كل الاتجاهات، وخاصةً هيئة الدفاع من السادة المحامين.

وأقول: دستور السماء، الدستور الأعظم الذي لا يمكن لأحد أن يعطِّله، صوَّر لنا مشهدًا من هؤلاء الأتباع الذين ظلموا أنفسهم وظلموا غيرهم واتبعوا أسيادهم، ثم كيف يتبرءون منهم وليته ينفع.

﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ (167)(البقرة).

يا حضرات.. الله تعالى من فوق سبع سماوات حرَّم الظلم على نفسه وجعله بين العباد مُحرَّمًا، وأمرنا ألا نتظالم: "يا عبادي.. إني حرَّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظَّالموا, يا عبادي.. كلكم ضالٌّ..."، ثم يختم الحديث بمسحةٍ على قلب كل مظلوم ووعيدٍ لكل ظالم: "يا عبادي.. إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها؛ فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه".

والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "اتقِ دعوة المظلوم؛ فإنها ليس بينها وبين الله حجاب" وإن الله تعالى يستقبل هذه الدعوة قائلاً لها: "وعزتي وجلالي لأنصرنَّك لك ولو بعد حين".

نحن نُشهد الله ثم نُشهد الوجود أن هذه المحاكمة ستتكرَّر ثانيةً، وسنقف مثل هذا الموقف تمامًا، مع الفارق؛ فالقاضي غير القضاة، والشهود غير الشهود، والعلانية غير العلانية، والمكان غير المكان:

فالقاضي هو الله الحق سبحانه ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾ (الحج: من الآية 62).

والشهود هم الجوارح ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (النور: 24).

والمكان عرصات يوم القيامة ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ (إبراهيم: 48).

والعلانية كل الملائكة.. أهل المحشر ﴿وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ (الكهف: من الآية 48).

تعلمون جميعًا أن الموت يعمُّنا، والقبر يضمُّنا، والقيامة تجمعنا، والديَّان يحكم بيننا، ويا له من حَكَمٍ عَدْلٍ قاهرٍ خبيرٍ!!.

يقول أبو حامد الغزالي: "طوبى لمن مات وماتت معه ذنوبه, والويل لمن يموت وتبقى ذنوبه يحاسب عليها في قبره"؛ فسيظل هذا الحكم عبر أجيال قادمة، وكل أم ماتت حزنًا على فراق ولدها.. كل أب مات جزعًا على ابنه.. كل زوجة مرضت لبُعْد زوجها.. كل ابن أو ابنة تزوَّج دون فرحة أبيه.. كل طفل ولد وأبوه مغيَّب.. سيظل هذا الحكم لكم أو عليكم ما بقيت هذه الأجيال.

وأخيرًا..

ونحن نودِّع هذه الجلسات باتت الأمانة في أعناقكم، وليس لكم عذر إن ظُلِمَ أحدٌ منا، قولوها لله.. قولوها ولا تخشَوا في الله لومة لائم.. قولوا واحكموا بما تجدون له إجابةً حين يسألكم الله عنه، في يومٍ لا ينفع مال ولا بنون ولا سلطان!!.

احكموا بما تجعلونه سنَّةً حسنةً يكن لكم أجرُها وأجرُ من عمل بها إلى يوم القيامة، ولا تحكموا بما تجعلونه سنَّةً سيئةً يكن عليكم وزرُها ووزرُ من عمل بها إلى يوم القيامة؛ فإنا لا نخشى على أنفسنا قدر ما نخشى عليكم..

﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)(آل عمران).

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

------------

* محمود عبد الجواد أحد المحالين إلى المحاكمة العسكرية.

0 التعليقات :

أضف تعليقك