مدونات ضد المحاكمات : الحرية لمدحت الحداد | الحرية لعصام حشيش | الحرية للدكتور بشر | الحرية لضياء فرحات | الحرية لخيرت الشاطر | الحرية لحسن مالك


- وفاة د. ياسر اختبار في الابتلاء خفف قسوة الأحكام على إخواننا

- القضية إجرام وتلفيق ومحققو النيابة قلوبهم معنا وسيوفهم علينا

- القاضي قال لنا: "دعوتُ الله ألا أقرأ عليكم الأحكام لأنها ليست قراري"

- أثبتنا زيف تهم الإرهاب وغسل الأموال عن دعوتنا أمام العالم أجمع

حوار- حسن محمود

المهندس سعيد سعد علي عبده، ولد في 31/12/1957م بمدينة الحامول بمحافظة كفر الشيخ، حصل على بكالوريوس الهندسة عام 1980م بتقدير جيد جدًّا، ثم تولَّى بعدها بخمس سنوات أمانة صندوق نقابة المهندسين بكفر الشيخ، وانضمَّ إلى جماعة الإخوان أثناء المرحلة الجامعية، وكان أول مَن غرس بذرةَ دعوة الإخوان المسلمين في مدينة ومركز الحامول.

التقينا به بعد أن حصل على حكمٍ بالبراءة في نهاية مسلسل هزلي لأكبر قضية عسكرية ملفَّقة لـ40 إصلاحيًّا مصريًّا ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين، كان حوارنا معه ذا طابعٍ خاص، ولعلَّ السر في ذلك يكمن في شيئين: الأول يتمثَّل في اليقين الإيماني العالي الذي يخفق به قلب المهندس سعيد سعد، والذي عبَّر عنه بكلماتٍ قويةِ المعنى والمضمون، والثاني ربما لأن إجراء الحوار معه جاء بعد فقده فلذةَ كبده ياسر، الطالب بكلية الطب والابن الأكبر لأبيه قبيل لحظات من الإفراج عنه من المحكمة الهزلية بالهايكستب إثر حادثٍ أليم، ليخرج من معتقله إلى تشييع جنازة نجله البكر.

كان حديثه عن زوجته روضة محمد الشناوي في حواره معنا حديثًا عن زوجةٍ كأنها تعيش في عصر صدر الإسلام؛ رسم خلاله الطريق إلى الجنة بفهمٍ عالٍ طوال الحوار، موضحًا أن أهم ما يشغله بعد خروجه من محبسه أن يرفع الراية مع إخوانه ويسعى في طريقه من أجل الحق وإنهاء الباطل حتى يرضى الله عنه.

وكشف في حواره معنا أن القاضيَ أبلغهم في التأجيل الثاني لجلسة إعلان الحكم أنه جلس يدعو الله عز وجل ليلتها ألا يجعل لهم على يده أحكامًا، موضحًا أن الأحكامَ قد أُعدِّت مسبقًا، وأن المسألةَ برمتها هي مسألة إجرام وتلفيق وخصومة سياسية غير شريفة من النظام، مشدِّدًا على أنه هو وابنه الشهيد ياسر سيقفان أمام الله عز وجل شاهدَين على ظلم العسكرية.. فإلى نصِّ الحوار.

* بدايةً.. كيف حال المهندس سعيد سعد الآن بعد لحظات الابتلاءات الصعبة التي عاشها؛ من ظلم العسكرية إلى موت ولده الأكبر؟

** الحمد الله على كل حال.. لقد جاء موت د. ياسر تخفيفًا على إخواننا الذين حصلوا على أحكامٍ بالسجن ظلمًا وعدوانًا لمدد 7، 5، 3 سنوات، ليؤكِّد لهم أن الابتلاءات تتعدَّد، فاصبروا واحتسبوا، أما أنا والأسرة فنحن احتسبنا واسترجعنا، ونطلب من الله الصبر والسلوان.

تناقض الاتهامات

* لو استرجعنا ذاكرة الفصول الهزلية للقضية العسكرية معكم.. كيف كانت اللحظة الأولى في هذه المهزلة؟ وماذا حدث؟

** في يوم 13/1/2007م كنت ضمن المجموعة الأخيرة التي عُرضت على نيابة أمن الدولة في نفس اليوم، وفوجئت في العرض أنهم يُضيفونا إلى القضية 963 الخاصة بالأزهر، وأنا استغربت تمامًا كيف أكون في كفر الشيخ وأُتَّهم في قضيةٍ سمَّوها "قضية البر" ثم أُتَّهم في قضية الأزهر، فعرفتُ وقتها أن التلفيق هو سيد الموقف؛ حيث إنني من أقصى شمال الجمهورية أدعم وأمد وأُحرِّض من مكاني طلاب جامعة الأزهر بالقاهرة.

صار الوضع على هذا المنوال حتى تجمَّعنا كلنا في سجن مزرعة طرة بعد مجيء المهندس خيرت الشاطر من سجن المحكوم، وعندها شعرنا جميعًا أنَّ هناك مؤامرةً كبيرةً تُدبَّر لنا!.

* لكن تُرى من وجهة نظرك.. كيف دُبِّرت هذه المؤامرة بالنسبة لكم؟

** لقد أخذت مجموعتنا 15 يومًا على ذمة التحقيق، وكان قرار الحبس مكتوبًا، ونموذجُ الحبس موجودًا في ملفي أمام نيابة أمن الدولة؛ حيث وجدته أمامي وأشرتُ إلى المحقق أنَّ القرار موجود قبل أن يتكلَّم أحد، وهذا يعني أن المسألةَ إجرامٌ وتلفيقٌ وخصومة سياسية غير شريفة من النظام رأينا فيها الأحكام تُعدُّ مسبقًا على طول طريقنا أثناء الحكم.

وحتى عندما عُرضنا على النيابة العسكرية أثناء قضاء المدة لم يجرِ معنا أي تحقيق، بينما أعلن المدَّعي العسكري لوسائل الإعلام أنه تمَّ مد الحبس؛ لأن التحقيقات لم تنتهِ، رغم أنه لم يجرِ معنا أي تحقيق، وعندما اعترضنا على ذلك بكى أحدُ المحقِّقين وقال لنا: "اصبروا"، فقلنا في نفوسنا: قلوبهم معنا وسيوفهم مسلَّطة على رقابنا.

شهود الزور!

* إذا كانت القضية- كما ذكرت- مؤامرةً.. فما الدافع من تشكيل هيئة للدفاع عنكم؟

** كنا نشهد فصول مسرحية مرسومة الأدوار، وفكَّرنا أن نتجاهلها ولا يقف أحدٌ من المحامين ليدافع عنا، ولكن استقرَّت الآراء على الأخذِ بالأسبابِ والدفاع عن أنفسنا ودعوتنا أمام القلوب الصماء والأعين العمياء التي تقف أمامنا.

وأؤكِّدها للجميع.. إن جلسات المحاكمة الـ73 احتسبناها من أجل دعوتنا لنسقط عنها تهم الإرهاب وغسل الأموال أمام العالم كله؛ من أجل أن يسمع العالم صوت دعوتنا، ولكي نُبلِّغ رسالتنا كغلام أهل الأخدود الذي أخذ بجميع الأسباب كي يبلِّغ رسالته.

كما أن قضيتنا كانت بلا أدلة ولا قرائن ولا شهود.. كنا أمام شهود زور يقودها عاطف الحسيني ولجنة الكسب غير المشروع التي أثبتت عليهما هيئة الدفاع أكثر من 20 قضيةَ تزوير، وسيُحاسبهم الله عليها في الدنيا أو في الآخرة، وحسبنا أنَّ الدنيا كلها تسمع عن دعوتنا وأهدافها الإصلاحية النقية الشريفة ولو على حساب حريتنا.

نهاية المهزلة

* لكل محكمةٍ نهاية، وكانت نهاية محاكمتكم نهاية درامية.. كيف تصفها لنا؟

** لقد كان يومًا مشهودًا.. وصلنا الساعة 11 إلا ربع، ولم تبدأ الجلسة إلا في الواحدة والثلث، وفوجئنا أن الموجودين كلهم من الشرطة العسكرية والمخابرات وأمن الدولة، ولم نجد أحدًا من المحامين موجودًا، وقام الأمن بالاعتداء على أهالينا خارج القاعة، وكان منهم ابني الشهيد ياسر الذي لقي الله عزَّ وجلَّ بآثار الاعتداء على جسده لتكون شهادةً له يوم القيامة.

وحدث أمرٌ لا يحدث إلا مع الإخوان المسلمين، مع الذين تربَّوا في أحضان كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الصحابة والتابعين؛ فالذي أخذ البراءة ظل يبكي، ومَن أخذ حكمًا وأُدين ظلمًا وطغيانًا وعدوانًا يهنِّئ أخاه ويُهوِّن عليه، وهذه ظاهرة تعجَّب منها الحاضرون، ولكنها ليست غربيةً على مجتمع الإخوان؛ حيث الإخاء والحب في الله عز وجل.

رسالة القاضي

* كيف كان واقع الحكم عليكم؟

** الحكم ما هو إلا استمرار لنظام غبي لا يملك أي أدلة أو حجة، ولا يستطيع أن يقف ليواجه الرأي بالرأي ويصلح من نفسه.. نظام يلجأ إلى العنف والإرهاب والبطش، رغم أنها أدوات الضعيف المهزوم.

ونحن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل في حبس إخواننا، وحسبنا الله ونعم الوكيل في من أصدر هذه الأحكام؛ فلا يوجد واحد فينا له تهمة غير تهمة الآخر أو تهمته أكبر من الأخرى، ومواقفنا القانونية واضحة، ولكنها أحكام مسبقة دُبِّرت بليل، حتى إن القاضي كان يقرأ الأحكام كأنه يقرؤها لأول مرة، بل نعتقد أنه فوجئ بها كما فوجئنا بها أيضًا!.

وأقول لكم إن القاضي بعد التأجيل الثاني لجلسة إعلان الحكم بعث لنا رسالة أنه جلس طوال الليل يدعو الله عز وجل ألا تصدر الأحكام على يده؛ فهو ليس صاحب قرار الحكم.

* وماذا بعد 15 شهرًا في المحكمة العسكرية؟

** ما بعدها هو ما عشنا له قبلها؛ ما بعدها وما قبلها هو دعوتنا.. أن نسارع إلى حمل الراية وأخذ المكان في الصف، مهما كان ظلم الظالمين، ومهما تحفَّظوا على أموالنا وحرمونا من أولادنا وأزواجنا؛ فنحن لن نتخلَّى عن مبادئنا، وسنأخذ مكاننا ونرفع الراية مع إخواننا لكي نكمل المسيرة؛ لأن طريق الجنة معروف، ولا يمكن لهم أن يحيدوا بنا عن غير هذا الطريق حتى نبلغ منتهاه، ومهما طالت السجون ستهون ويهون كل شيء من أجل أن نرفع الحق ويزهق الباطل وتنتهي دولة الظلم.

ونحن نقدِّم هذه الأوقات كتضحية من أجل أمتنا؛ كي تكون في مقدِّمة الصفوف؛ لإعلاء كلمة ربنا وإسعاد الناس بها، وليعلم أحبتنا أنه ما من شيء كان يخفِّف عنا آلام السجن والبعد عن الأولاد والزوجة إلا الأمل في إعلاء كلمة الحق ومعرفة الناس بها.

رفع الراية

* وما موقفكم من الاتجاه نحو رفع حكم بالتعويض على ما حدث معكم؟

** أهم شيء هو أن نرفع الراية ونشغل بالنا بها، أما المواقف القانونية فهي متوفِّرة ولها ميعادها ولها رجالها، والصراع بينا وبين الظالمين صراع طويل إلى نهاية العمر وملفاته ممتدة.. أهم شيء الآن هو أن نكون في ميدان العمل والبذل، لرفع الراية مع إخواننا.

* من ابتلاء السجن الظالم إلى ابتلاء فَقْد الابن الحبيب والأكبر.. ماذا تقول؟

** أقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، وبارك الله في زوجتي المحتسبة الصبور، وإننا نطمع في رحمته وأن يجمعنا به في الفردوس الأعلى كي أحتضنه من جديد ذلك الحضن الذي افتقدته في الدنيا، ونسأل الله أن يلزمنا سكينته وأن يلهمنا الصبر والاحتساب.

* وما رسالتك التي تريد أن توجِّهها إلى الشباب خاصةً شباب الإخوان؟

** أقول: يا شباب.. العمر قصير، وياسر زميلكم مات وهو عنده 22 عامًا، فانتظروا الموت في أية لحظة، واختاروا لأنفسكم الموتة التي تُرضي الله عنكم، موتوا على طاعة وجهاد من أجل الحق؛ فالعمر أقصر مما تتخيلون وليس للإنسان إلا أن يعمل حتى يفرح يوم القيامة بما قدَّم ويقول ﴿هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ﴾ (الحاقة: من الآية 19).

لا مبرِّر من الخوف؛ فياسر مات شهيدًا في غير ميدان، والموت آتٍ آت، وياسر أمامكم مثال، رحمه الله وهداكم إلى ما يحبه ويرضاه.

* وماذا تقول للشعب المصري؟

** كل ما أودُّ أن أقوله بكل مودة وحب إلى شعب مصر هو أننا نطمع أن ينتقل معنا من دائرة التعاطف إلى دائرة أن يحمل معنا هذه الراية حتى يلقى الله بها ونحن معه على طريق الجنة.

* كلمة لزوجتك وأبنائك.. تلك الأسرة التي حظيت بإعجاب كل من سمع عنها؟

** زوجتي بارك الله فيها صابرة محتسبة، ذكَّرتني عند أول المصيبة بزوجات الصحابة رضوان الله عليهن.. ذكرتني بالرميساء رضي الله عنها التي صبَّرت زوجها وعلَّمته كيفية الاحتساب والصبر.

وأقول لأبنائي جهاد ومريم ويوسف: إن هذا هو طريق الجنة والشهادة، فتمسَّكوا به وامشوا على هداه حتى تبلغوا نهايته، ويرضى الله عنكم وعنَّا جميعًا.

0 التعليقات :

أضف تعليقك