مدونات ضد المحاكمات : الحرية لمدحت الحداد | الحرية لعصام حشيش | الحرية للدكتور بشر | الحرية لضياء فرحات | الحرية لخيرت الشاطر | الحرية لحسن مالك

- لجنة السياسات أصدرت الأحكام ورئيس المحكمة لم يقتنع بالاتهامات الموجهة

- أُصبت بالإحباط ولم أحزن في حياتي مثلما حزنتُ يوم الحصول على البراءة

- رفضتُ في البداية المثول أمام القاضي لعدم وجود ضماناتٍ حقيقيةٍ للمحكمة

حوار: أحمد علي

أحمد النحاس أحد رجال الأعمال المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين، وأحد قيادات الجماعة بالإسكندرية، حصل على حكمٍ بالبراءة في القضية العسكرية المُلفَّقة لقيادات الإخوان المسلمين بعد اعتقالٍ استمرَّ سنةً وخمسة أشهر، وكان أحد الرافضين المثول أمام المحكمة العسكرية، فمن رحلة الاعتقال إلى البراءة، وأهم الدروس المستفادة كان هذا الحوار.

* في البداية صِف لنا عملية القبض عليك والوقائع التي حدثت؟

** بدايةً عملية القبض كانت غريبةً؛ فأنا من القلائل الذين تم القبض عليهم في وضح النهار بمعرفة حملتين لأجهزة الأمن؛ الحملة الأولى توجهت إلى مكتبي أثناء وجودي به وقامت بتفتيش المكتب بالكامل، وبعدها فوجئتُ بالضابط يسألني عن مكتب شركة "زيزينا للسياحة"؛ فأكدتُ له أنَّ هذا مكتب خاص بي، وقدمتُ له الأوراق التي تُثبت ذلك، فقام بالاستيلاء عليها وقام بالاستيلاء على جهاز الكمبيوتر ومبالغ مالية كانت في خزينة الشركة، وفي نفس التوقيت تقريبًا كانت هناك حملة أخرى هاجمت المنزل وقامت بتفتيشه بطريقةٍ متعسفةٍ جدًّا، واستولوا على أجهزة الكمبيوتر وبعض الكتب الدينية والهندسية والعقود الشخصية، ولم يكن هناك أية أوراق خاصة بالإخوان، ثم تم ترحيلي إلى نيابة أمن الدولة بالقاهرة، وبعدها استمرَّت المحاكمة!!.

* كيف مرت تلك اللحظات عليك وعلى أسرتك؟

** بفضل الله أنزل الله عليَّ وعلى أسرتي السكينة والاطمئنان، وفوَّضنا أمرنا إلى الله، خاصةً أن هذه ليست أول مرة أواجه فيها تلك اللحظات؛ حيث سبق اعتقالي عام 1981م وكنت وقتها رئيس اتحاد طلاب جامعة الإسكندرية، كما تم اعتقالي عام 1987م.

نية مبيَّتة

* ذكرت أنك اعتُقلتَ سابقًا.. فهل اعتقال هذه المرة مثل المرات السابقة؟

** في البداية كنتُ متوقِّعًا أن الاعتقال سيكون مثل سابقه، وإن شاء الله لن يطول، فتوقعتُ أن يكون شهرًا أو شهرين أو خمسة بالكثير، ولكن حين تم إحالة القضية إلى محكمةٍ عسكريةٍ أيقنتُ أن النيةَ مبيتة لنا بأحكامٍ خاصة، وتحديدًا بعد أحكام البراءة التي لم تُنفَّذ، ثم صدور قرارات بالاعتقال، فتركتُ الأمرَ كله لله وأدركت أن ما يحدث كله أسباب لذلك.

خبرة

* وماذا عن رفضك للذهاب إلى المحكمة العسكرية؟

** الحمد لله لديَّ خبرة في المحاكم العسكرية، فرغم أنها أول مرة أحضر فيها كمُتَّهمٍ إلا أني حضرتُ من قبل ثلاث مرات مع حماي الأستاذ محمد حسين وخالي الدكتور إبراهيم الزعفراني ومع صديقي ورئيسي في العمل المهندس مدحت الحداد أثناء عملي معه، وكنتُ أعلم ما يتم في تلك المحاكمات من تجاوزاتٍ وعدم وجود ضمانات حقيقية لمحاكمة عادلة.

وأذكر أننا كنا نذهب إلى المحكمة العسكرية مرةً كل أسبوعين للنظر في أمر حبسنا احتياطيًّا ونقف أمام 3 قضاةٍ ونتحدث معهم بالحجة والبراهين، وكثيرًا ما كانت مشادات كلامية تحدث مع المحامين والقضاة بسبب مواقفهم، وفي إحدى المرات طلب المحامي من القاضي أن يحبسنا 45 يومًا بدلاً من 15 بسبب ما نُعانيه كل مرةٍ في سيارات الترحيلات، وقال له المحامي "أعلم أنك لن تستطيع"، فضحك القاضي، وبعد المداولة لم يستطع إلا أن يُجدد لنا 15 يومًا.

** ما شعورك بعد سماع البراءة؟

** أصدقك القول أني لم أحزن في حياتي مثلما حزنتُ يوم البراءة، ولم تتسلل إلى نفوسنا فرحة واحدة ما دام واحدٌ منا محبوسًا ظلمًا، وكنا نتمنَّى تطبيق الحكم علينا جميعًا؛ سواء كان بالحبس أو بالبراءة؛ لأننا كنا على قلبِ رجلٍ واحدٍ من البداي ة، وتحوَّلنا إلى أسرةٍ واحدة، وبكيتُ أنا وأهلي بكاءً شديدًا، ونحمد الله على كل شيء، والخير في إرادة الله.

حكم الأمن

* بعد سماع الأحكام ما تعليقك على حكم المحكمة؟

** هذا ليس حكم محكمة، ولكنه حكم أمن الدولة ولجنة السياسات بالحزب الوطني، فالقاضي لم يحكم علينا ولم يقتنع بالاتهامات التي وُجهت إلينا من قِبل ضابط أمن الدولة، والدليل على ذلك أنه كان يتلعثم أثناء قراءةِ الحكم كأنه يقرؤه لأول مرةٍ، وغادر القاعةَ مُسرعًا؛ هربًا من دعائنا عليه، ولا أعرف كيف نام تلك الليلة؟!

* بدون شك لا بد من موقفٍ أثَّر فيك خلال تلك الفترة؟

** عند سماع الأحكام وبعد انتظار 4 ساعاتٍ بالمحكمة ومنع المحامين من الدخول إلى القاعة وعندما بدأ القاضي بقراءةِ أحكام البراءة لكثيرٍ من الإخوان منهم الدكتور خالد عودة والدكتور عبد الرحمن سعودي والمهندس أسامة شربي إلى أن بدأت الأحكام بالسجن 3 سنوات ثم أحكام السجن 5 سنواتٍ وبعدها أحكام 7 و10 سنواتٍ أُصبت بإحباطٍ شديدٍ واحتسبتُ ما حدث عند الله.

معية الله

* صف لنا كيف كنت تقضي يومك داخل السجن؟

** رغم أنه مرَّ على وجودنا داخل السجن سنة وخمسة أشهر إلا أنه بفضل الله كان الوقت يمرُّ بسرعةٍ داخل السجن، وكنا نشعر بمعية الله معنا، فطوى لنا الأيام لدرجة أنني لم أستطع إنهاء أي برنامجٍ شخصي كنتُ قد وضعته لنفسي، وكنتٌ أقضي وقتي في قراءةِ القرآن وحفظه وتلاوته، إلى جانب قراءة بعض الكتب، والاستفادة من العلماء ورجال الأعمال الموجودين معنا وخبرتهم الحياتية؛ أمثال الدكتور خالد عودة والدكتور عصام حشيش، بالإضافةِ إلى باقي المجموعة، فضلاً عن حضور جلسات المحكمة التي وصلت إلى 73 جلسةً، والتي كانت تستغرق الكثير من الوقت، ففي بعض الأحيان كانت تبدأ من العاشرة صباحًا حتى الساعة 11 مساءً، ورغم ذلك لا بد وأن نعترف أن السجن مهما كان هو سجن تُقيَّد فيه الحرية وتُغلق فيه الأبواب ونُحرم فيه من الأهل والأحباب والإخوان.

* هل تأثَّر البيتُ بغيابكم؟

** بدون شك غياب الأب أثَّر في استقرارِ الأسرة، ولكن الحمد لله أولادي كانوا رجالاً وعلى قدر المسئولية، وتعاونوا مع والدتهم كي تقوم بما عليها وأكثر، وكانوا جميعًا عند حسن الظن بهم.

* وماذا عن موقف الأهل والجيران؟

** بفضل الله موقف الأهل والجيران كان مُشرِّفًا للغاية في مساندتهم لنا، سواء بالسؤال أو بالدعاء أو بتقديم أي مساعدةٍ إذا لزم الأمر حتى عملاء شركتي، والناس الذين كنت أشرف على مشاريعهم الهندسية باعتباري مهندسًا استشاريًّا، وكذلك المهندسون الذين كنتُ أمين صندوق نقابتهم؛ كل هؤلاء وقفوا معنا وقفةً جيدةً جدًّا.. ربنا يجزيهم عنا خير الجزاء على ما قاموا به.

كله يهون

* لكن رغم ذلك لا بد من وجود معوقات أو مشاكل واجهتها؟

** كله يهون في سبيل دعوة الإخوان والإسلام، ولكن المشكلةَ كانت في الشركة وتشميع الشقة وبها عقود وأوراق ومصالح مقاولين وعملاء وتشريد الموظفين وأسرهم، حتى إن الشقةَ رغم أنها إيجار لم يستطع صاحب الشقة الاستفادة منها حتى الآن، ورغم أنه رفع قضية استحواذ عليها لم يستطع أن يستردها، وآمل أن أقوم بردِّها له.

* ما الرسالة التي تود أن توجهها إلى الإخوان أو المقربين لهم؟

** أقول للإخوان أنتم على الحق، وأنتم على الدرب الذي رسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الذي اهتدى به الإمام البنا، فأنتم أشد الناس ابتلاءً، وهذه سنن كونية قدَّرها الله سبحانه وتعالى، ولا يضيركم أحكام عسكرية أو سجن فهذه ضريبة لا بد من دفعها راضين صابرين محتسبين ومجاهدين في سبيل ديننا وأمتنا ودعوتنا، ولنا في إخواننا في فلسطين الأسوة الحسنة، فهم يجاهدون بأنفسهم وأرواحهم ونحن نجاهد بجزءٍ من أموالنا وحرياتنا.

* الدروس المستفادة من هذه المحنة الأخيرة؟

** دروس كثيرة وإن كان أهمها هو المزيد من الانضباط وتدريب النفس على التضحية والجهاد والبذل والاستعداد لما هو أسوأ وعدم إضاعة أي وقتٍ دون الدعوة إلى الله وتطوير أنفسنا.

0 التعليقات :

أضف تعليقك