مدونات ضد المحاكمات : الحرية لمدحت الحداد | الحرية لعصام حشيش | الحرية للدكتور بشر | الحرية لضياء فرحات | الحرية لخيرت الشاطر | الحرية لحسن مالك

تحقيق- هبة مصطفى

برنامجهم في العيد يختلف عن كثير من المصريين، حياتهم في هذه اللحظات مؤثرة وقوية ومتدافقة المشاعر وصعبة للغاية، وكلماتهم مليئة بمرارة الظلم وحنين الرجاء، واستعدادهم للعيد وإن تشابهت باستعدادات البعض إلا أن اتجاه فرحتها مختلف كونه ينتهي إلى زيارة بين جدران السجن.

يعيشون لحظات يحوطها الترقب لمقابلة رهائن الإصلاح الذين يقضون عيدهم الثاني للعام الثاني خلف الأسوار، وتغيب عنهم البسمة وإن جاءت فهي تنتزع مكانها من بين وجوههم وتأتي من الخارج، وتمتلأ كلماتهم بالدموع البريئة لأطفال فقدوا فرحة العيد على أيدي نظام فاسد مستبد.

(إخوان أون لاين) حاول معايشة أسر المعتقلين في محاولة لرصد هذه اللحظات، والتي اتفقت على ربطها بالحزن والمرارة ومحاولة انتزاع وقت بسيط للفرحة والسعادة رغم الجراح.

فرحة مجروحة
الصورة غير متاحة

د. عصام مع أسرته خلال عقد زواج ابنته

في البداية تؤكد زوجة الدكتور عصام عبد المحسن أستاذ الكيمياء الحيوية بجامعة الأزهر والمحكوم عليه بـ3 سنوات، أن فرحة العيد انتزعها الظالمون الذين أصدروا الأحكام على زوجها، مشيرة إلى أن فرحتهم بالعيد باتت محبوسة بين جدران سجن لا يجعل لها إلا تواجدًا بسيطًا يجلبه احتفاء زوجها وإخوانه بهم في الزيارة مما يضفي جوًّا من بهجة بالعيد.

وتؤكد أن أي فرحة بعد الحكم مجروحة وناقصة؛ لأننا طوال العامين الماضيين كنا ننتظر على أمل البراءة والخروج والحرية، ولكننا الآن لم نشعر بأية فرحة؛ لأن الفرد الأساسي في العائلة ليس معنا، مضيفةً أنهم حتمًا سيتبادلون الزيارات وسيقومون بدعوة عائلة زوجها كلها لحضور أول يوم العيد معنا بمزرعة طرة حتى تصبح الفرحة كبيرة.

وتشير إلى أن العيد كان يمثل لزوجها صلة رحم بصورة كبيرة وهي أكثر ما يسعده، قائلة: الحمد لله على كل شيء وعلى كل حال، وإن شاء الله تكون فرحة كبيرة بصبرنا على هذا البلاء.

وتوضح أنها تستعد وبناتها بإعداد الطعام والحلويات، وتحرص على أن تشعر زوجها بوجوده معهم وعدم غيابه عنا رغم الجو المسيطر على الزيارة وتحاول أن أن نشعره بأنه يقضي أول أيام العيد في الخارج.

ولم تختلف الابنة عن والدتها حيث تري نَيِّرة عصام عبد المحسن أن أول أيام العيد له مظاهر خاصة للاحتفال، موضحةً أن تلك المظاهر لا تدخل البهجة والشعور بفرحة العيد عليها فقط ولكن على والدها المعتقل أيضًا بمزرعة طرة، مشيرةً إلى أن ما يأخذونه معهم من حلوى وزينة وألعاب تجعلهم يشعرون أنهم يقضون العيد في بيوتهم خاصة إذا كان هناك تجمع من معظم أهالي المعتقلين، قائلة: حينها نشعر بمظاهر حقيقية لفرحة العيد.

وتؤكد نيرة أن العيد بعيدًا عن زيارة والدها في المعتقل يكون عيدًا بلا طعم؛ لأنه في حالة وجود والدهم خارج المعتقل فإنهم كانوا سيقضون العيد ما بين السفر والتنزه.

فرحة بطعم الألم
الصورة غير متاحة

زوجة حسن مالك تهتف ضد الظلم

أما زوجة رجل الأعمال حسن مالك والمحكوم عليه بـ7 سنوات، لم يتغير وجهها المميز الذي تصدر بدموعها الحارة يوم إعلان الحكم الظالم حيث شبهت حالهم بحال المحاصرين في غزة، وقالت: الحصار ليس أن يقف أحد خارج الباب ويمنعك من العبور أو الخروج ولكن الحصار أن تجد نفسك مقيدًا في حريتك وعبادتك ومشاعرك وكل شيء، حتى العبادة نحن محرومون منها، فمثلاً لتجهيز أوراق الزيارة نضطر للخروج كل يوم وبالتالي يضيع علينا الاعتكاف.

وتساءلت وهي تأخذ نفسًا عميقًا عن كيفية الاحتفاء بعيد ورب الأسرة غير موجود؟، مشيرة إلى أن الحصار غير مرتبط بوجود معتقل وقضبان ولكنه هو أي حصار خانق للحرية.

وتؤكد أنهم حتى الآن لا يعترفون بما حدث ولا يعترفون بالمحاكم العسكرية؛ لأنها عبارة عن "كومبارس"، ولم تأخذ المحكمة بحرف واحد من الأوراق المقدمة من قبل هيئة الدفاع، مؤكدة أن الأمل ما زال يراود الجميع بأن نصر الله قادم لا محالة وأن الحرية هي النهاية المرتقبة لزوجي وأقرانه، وأنه لا بد لهذا المسلسل الهزلي من نهاية.

الصورة غير متاحة

أنس حسن مالك

وأضافت أنهم يُعدون من الآن لزيارة أول أيام العيد على الرغم من أن الفرحة غير مكتملة؛ لأنهم يضحكون يومها "من بره ومن جوه لأ" من شدة حزنهم، فهم لا يرون ذويهم غير هذا اليوم من أيام العيد، ثم يعاودوا الكَرّة من جديد ليعانوا وحدهم في انتظار الإفراج عن ذويهم من تلك المحاكمات الجائرة.

أما أنس حسن مالك بالصف الثالث الإعدادي، فيتمسك بأهداب الفرحة رغم المأساة، ويؤكد أنه أعد لوالده وأقرانه مفاجأة، متمنيًا على الله عز وجل أن تُسعدهم وأن تترك لهم قوات الأمن الفرصة كي يقوموا بها، حيث أعد حفلة ضخمة مكونة من مسرحية وألعاب ونكات كي تسعد أهلهم، وتمنى أنس أن يكون العيد القادم هو عيد الحرية لوالده وأصحابه.


.

كلنا رهائن
الصورة غير متاحة

معاذ أحمد شوشة

5 سنوات هي المدة التي حُكم بها على المهندس أحمد شوشة، أما زوجته فترى أنه ليس هو فقط من حُكم عليه بقضاء مدة الخمس سنوات داخل قضبان المعتقل، ولكن الأسرة كلها حدث لها ذلك حيث أصبحت رهنًا للاعتقال ما بين مرارة انتظار عامين أجلت خلالها المحاكم العسكرية الظالمة النطق بالحكم، وبين مرارة الظلم بعد النطق بالحكم الجائر بالحبس لمدة خمس سنوات.

وأضافت مستنكرة: هل يحق لمحكمة أن تَشل حركة زوجها وتحرمه من عمله وأولاده وطموحه لمجرد أنه يقول: "ربي الله"؟، مشيرةً إلى أنها على يقين من أن نصر الله قريب وأنها واثقة في وعد الله عز وجل:﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ (الحج: من الآية 38)، والحديث القدسي: "مَن عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب".

وأكدت رغم حرمانهم من زوجهم في أول ليلة من رمضان والعام الدراسي الجديد وليلة العيد وأيام العيد، إلا أنهم ينتظرون جزاء صبرهم من الله عز وجل فقط.

وتشير إلى أن أبناءها تكون لديهم لهفة وشوق الأولاد لوالدهم بعد الانتهاء من صلاة العيد ويريدون أن يكون هو أول من يرونه بعد انتهاء صلاة العيد.

ويضيف معاذ أحمد شوشة بالصف الثاني الإعدادي أنه أعد لأول أيام العيد هذا العام برنامجًا بسيطًا سيحاول من خلاله إسعاد والده وإزالة إحساس السجن من قلبه ومحاولة تعويض والده عن الفترة الطويلة التي يقضيها بعيدًا عنه وعن إخوته.

وتمنى معاذ أن يكون والده في هذه الفترة حرًّا طليقًا حتى يقضي معه أواخر شهر رمضان المبارك معتمرين في السعودية؛ مشيرًا إلى أن آخر رمضان قضاه والده خارج المعتقل كان معتكفًا معه في مكة المكرمة.

المرارة

الصورة غير متاحة

د. أبو زيد مع أسرته

"مش فارقة" هذا هو الشعور الذي كان مسيطرًا على زوجة العالم الكبير الدكتور محمود أبو زيد المحكوم عليه بـ3 سنوات حيث أوضحت لنا أنهم لم يكونوا متوقعين قبل الحكم أن هناك محاكمة أو أن هناك مَن سيأخذون حكمًا بالبراءة أو السجن.

وتقول بهدوء: كنا نظنها مسرحية هزلية ولكنها ابتلاء كبير، فكم عانينا بدون رب الأسرة كثيرًا سواء في متابعة التحصيل الدراسي للأولاد أو في التوجيه التربوي لهم وفي الزواج وهو المعضلة الأكبر حيث تمت زيجة "بسمة" 19 عامًا أثناء وجود والدها بالمعتقل، مضيفةً أن حوالي 10 من أبناء المعتقلين تمت زيجاتهم وآباؤهم داخل المعتقل.

أما ابنته الصغرى صفية 11 عامًا فذكرت لنا أنها تفكر مع إخواتها فاطمة 23 عامًا وعبد الرحمن 22 عامًا وهدى 20 عامًا في إعداد هدية أو مفاجأة لأبيها تقدمها له في أول أيام العيد، ولكن سرعان ما تبخرت نبرة السعادة من صوتها وسكتت للحظات ثم قالت: "أتمنى لو كان أبي بره المعتقل وكنا خرجنا أول يوم العيد وروحنا لجدتي واتغدينا بره".

فرحة اللقاء
الصورة غير متاحة

ويؤكد سعد خيرت الشاطر نجل المهندس خيرت الشاطر والمحكوم عليه بـ7 سنوات، أن العيد أصبح لا يمثل أي نوع من أنواع الفرحة لأبناء المعتقلين، مشيرًا إلى أن فرحة الناس تكون بتواجدهم سويًا ورؤيتهم المستمرة لبعضهم وشعورهم بالحرية والانطلاق سويًا، وبذلك يصبح عدم الإحساس بالفرحة متواجدًا لدينا سواء قبل الحكم أو بعده؛ لأن كل ما نشعر به الآن هو إحساس عميق بالظلم ملأ كياننا حتى طغى على أي شعور بالفرحة.

أما عن أول أيام العيد فيوضح سعد أنهم سينطلقون لزيارة الوالد بعد الانتهاء من صلاة العيد، متمنيًّا أن تمحو زيارتهم له جزءًا من الشعور بالمرارة والظلم، خاصةً أنها بالتزامن مع شهر رمضان والعيد.


"غلاوة" زيادة

الصورة غير متاحة

مصطفى سالم

وبزاوية أخرى ترى أسرة المحاسب مصطفى سالم المحكوم عليه بـ3 سنوات أن الفرحة تزداد بقرب العيد؛ لأنه الفرصة الوحيدة التي تمكنهم من رؤية والدهم.

وتشير زوجته إلى أنهم سوف يذهبون أول أيام العيد لزيارة زوجها وأن أولادها سوف يرتدون جديد الثياب لديهم، مؤكدةً أن ما حدث أوضح لها أن زوجها قريب من الله وأن "غلاوة" زوجها والمحبة بينهما تضاعفت بسبب تيقنها من حب الله له.

الأبناء من جانبهم أعدوا الكثير من المفاجآت الطيبة لوالدهم؛ محمد 13 عامًا سيقدم لوالده ثلاثة أجزاء من القرآن الكريم كان والده قد أوصاه في الزيارة الأخيرة بحفظها، وتمنَّى محمد لو تواجد مع والده وأسرته في أول أيام العيد في أي حديقة يمرحون ويلعبون سويًا بدلاً من رؤية والده داخل القضبان، أما سلمى 10 سنوات فأعدت "البلالين" والألعاب والإفطار والشاي والهدايا والمسابقات.

مسئولية قبل الأوان

الصورة غير متاحة

سيد معروف

أسرة سيد معروف والمحكوم عليه بـ3 سنوات فقد تحملت فيها الإناث المسئولية قبل الأوان، وأصبحن أكبر من أعمارهن بكثير؛ هكذا وصفتهن والدتهن نتيجة هذه المحنة التي يعشنها، والتي حملت والدتهن عبئًا كبيرًا في بداية الأزمة حتى يفوقوا من الصدمة، وتشرح لهن الحكمة من الابتلاء، وتساعدهن أن يؤمنَّ بقدر الله وقضائه ويرضين بما كتبه الله لهن.

وأشارت ابنتها سندس إلى أن المسئولية أصبحت أكبر عليهنَّ وأن التفوق الدراسي أصبح هدفهنَّ الرئيسي حتى يقدمنه كهدية لوالدهنَّ ليس في العيد فقط بل على مدار العام.