يا مَن له تعنو الوجوه وتخشع ولأمره كل الخلائق تخضع
أعنو إليك بجبهةٍ لم أحنها إلا لوجهك ساجدًا أتضرع
وإليك أبسط كف ذل لم تكن يومًا لغير سؤال فضلك ترفع
كم أقرأ الآيات لو نزلت على قمم الجبال رأيتها تتصدع
ما لي أردد وعدها ووعيدها ما رقَّ قلبي أو جرى لي مدمع
سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رجلاً يقول: "اللهم آتني أفضل ما آتيته عبادك الصالحين فقال له: "إذن يُعقَر جوادك ويُراق دمك".. يستشهد الرجل وحتى الجواد يُقتل مع صاحبه، لقد أصابه من الشهادة شرفًا ولو كان مربوطًا بعربة بضاعة لعاش دهرًا، ولكن هل العمر إلا جراحات وأفراح في سبيل الله.. إن الشجاعةَ قد تكلف صاحبها التضحيات فهل الجبن والخوف يضمن لصاحبه الحياة، كلا.. فالذين يصابون في ميادين الحياة وهم يولون الأدبار أضعاف الذين يضحون وهم يقتحمون الأخطار، وللمجد ثمنه الغالي الذي يتطوع الإنسان بدفعه ولكن الهوان أيضًا لا يعفي صاحبه من ضريبةٍ يدفعها وهو كاره حقير.. فإذا كان الثمن واحدًا لبضاعةٍ مختلفةٍ فلماذا نرضى بالحقير ولا نطمع في العظيم؟
أما الرجل الذي ينصرف إلى الدنيا ويترك دينه ينهزم في كل ميدانٍ فلن ينال خير الدنيا ولن يُرزق حلاوة الإيمان، وإذا ضننا على الله بضريبةِ الدم والمال فما طمعنا في نصرته أو أملنا في جنته وهو القائل: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾ (التوبة: من الآية 111)...
والمعجزات التي أيَّدت الأنبياء في دعواتهم خضعت هي نفسها لهذا القانون، فالعصمة لا تنافي المحنة وضمان السماء لا يمنع ابتلاء الأرض، وقد كان الرسول- صلى الله عليه وسلم- عندما يواجه أخطار الطريق ينزل على قوانين الأسباب والمسببات..
ألا فلنؤدِ واجبنا ثم لننتظر نصر الله، ألا فلنواجه الأخطار والمخاوف ولنصبر على المحن ثم لنرقب الفوز، أما قبل ذلك فليس في الدنيا مكان للاهين واللاعبين، والآن دورنا أن نربط قلوبنا بالله ونُحلِّق بها في آفاق حب الله والإعجاب بمجده والإحساس بصنيعه والاعتراف بمآثره.
إن بذرة الحب لله ولدينه إذا رُويت في قلب المؤمن تؤتي ثمارها اليانعة إقبالاً على الخير وصبرًا على المكاره ورغبةً في التضحية.. نُريد أن تحيا قلوبنا مع الله بالعواطف الحارة والمشاعر العالية التي تتصل بالله عن حب وشوق وإعجاب.
Labels: أدب السجون