لا يستطيع أحد أن يجاري الأستاذ حمدي رزق في سيولة أفكاره وعذوبة مفرداته.. لكنه مثل حكومة الوطني، نجاحه الأكبر في استعداء قرائه وشذوذ آرائه!!
لم يكن الأستاذ حمدي رزق وحده الذي لفت انتباهي إلى قضية المحاكمات العسكرية للإخوان، وهي قضية كبيرة ربما لم تأخذ حقها إعلاميًّا.. الرئيس مشرف أيضًا لفت انتباهي للحدث من زاوية أخرى، قد يظنها البعض بعيدةً بعض الشيء، وذلك حينما سقطت دموعه- وهو الجنرال الحجري- أمام عدسات الفضائيات.
لم يبكِ مشرف على ضحايا المسجد الأحمر، وهم مئاتٌ، ولم يبكِ على الأطفال والنساء والعجائز الذين يستهدفهم القصف الأمريكي الأعمى على القرى الحدودية لباكستان، لكنه بكى وهو يترك الجيش مضطرًّا أمام غضبة الجماهير!!
البزَّة العسكرية والعصا والحذاء الغليظ والنياشين اللامعة، أطلقت العنان لدموع الجنرال وهو يودع الجيش؛ فهناك علاقة وثيقة بين الجيش وإحكام السيطرة على الدول وإخضاع الشعوب؛ لذا تظل الجيوش في دول العالم الثالث يد البطش وذراع الاستبداد.
رفض الأستاذ حمدي رزق توقيع بيان يستنكر فيه إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري، إلا بشرط استثناء قادة الميليشيات، يقصد شباب جامعة الأزهر، الذين كانوا يرتدون إشاراتٍ تحضُّ على الصمود!!.
هؤلاء الشباب اعتُقلوا لأسابيع قليلة، وقد تعرضوا لانتهاكات مروِّعة قبل أن يفرج عنهم القضاء بأحكام نهائية، بينما لا يزال أربعون من النخب يقبعون في أقبية السجون الباردة؛ بدعوى تحريض الطلبة المفرج عنهم!!.
أربعون من النخب بينهم 9 من أعضاء هيئات التدريس و8 أطباء و10 مهندسين و8 تجاريين، ومعلم، وصحفي، ورجال أعمال، ومفكرون وبعض الشخصيات المرموقة ممن لا يحملون الجنسية المصرية، ربما ذهبوا ضحية قرار ظالم، استهتر بالحريات، واستهان بالحرمات، فاستدعى العسكر، وحفر لمعارضيه أخاديد وقضبانًا.
المتهمون أطلقهم القضاء الطبيعي ثلاث مرات بأحكام نهائية واضحة لا تحتمل اللبس، فاحتبسهم العسكر الذين خلعهم الباكستانيون، وبقوا قيدًا محكمًا حول رقابنا إلى الآن.
لا أستطيع أن أشكك في الجيش، فنحن نكنُّ له الاحترام والتقدير، لكن لا يجب الزجُّ به في الخصومات السياسية والعداوات.. هو تاج على رؤوسنا يحمي الحدود ويعد العدة للأعداء فمكانه الطبيعي الثكنات، والمحالون إليه يجب أن يكونوا جنودًا.
يقول الفصل الثالث في إعلان المبادئ الأساسية: "لكل فرد الحق في أن يحاكم أمام المحاكم العادية أو الهيئات القضائية التي تطبق الإجراءات القانونية المقررة"، كما تنص المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية "أن الناس جميعًا، سواء أمام القضاء"، وتنص المادة 68 من دستور 71 "أن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي".. فهل القضاء العسكري قضاءٌ طبيعيٌّ بالنسبة للمدنيين؟!
المادة الأولى من قانون الأحكام العسكرية تنص على أن "الإدارة العامة للقضاء العسكري هي إحدى إدارات القيادة العليا للقوات المسلحة"، والمادة الثانية تنص على أنه "يتولى الإدارة العامة للقضاء العسكري مدير ضابط مجاز في الحقوق يتبع وزير الدفاع مباشرة"، وتنص المادة 59 من نفس القانون على أنه "يكون تعيين القضاة العسكريين لمدة سنتين قابلين للتجديد"، وتنص المادة 55 على أنه "يعين القضاة العسكريون من ضباط القوات المسلحة".
بمعنى أن القضاء العسكري يخضع بالتبعية المباشرة لوزير الدفاع، والقاضي العسكري يخضع لرؤسائه، وهو قابل للعزل أو النقل وولايته مؤقتة، ولا يشترط أن يكون حاصلاً على أي مؤهل في القانون!! فهل يعتبر هذا استقلالاً؟! بينما القاضي الطبيعي لا سلطان عليه لغير القانون، ويحظر أن يتلقى أموالاً أو مرتبات استثنائية سوى بنص المادة 68 من قانون السلطة القضائية، ولا يعزل القاضي ويحصن ضد الندب كما أنه يكون مؤهلاً قانونيًّا ومن ذوي النزاهة والكفاءة والخبرة، ثم كيف يحاكَم متهمون بالتجسس أمام محكمة أمن دولة ويحاكم أساتذة جامعات أمام محكمة عسكرية؟!
هذه معايير مختلة لن تجلب الأمن، ولكنها ستزيد من حجم الاستقطاب الحادِّ الذي يعاني منه المجتمع، وستُسيء إلى الحكومة التي تعاني من فساد غير مسبوق؛ نتيجةَ زواج السلطة برأس المال..
لا بد أن تتجه الدولة لتخفيف المعاناة عن الشعب المسكين، الذي يعاني المرارة والحرمان والفقر والجوع والعطش والبطالة والتمزق الأسري والتفكك الاجتماعي، وإلا سيحدث تغيير دراماتيكي لن نستطيع تحمل نتائجه.
العدل والرحمة هما ركيزة أي استقرار وأمن، أمن وسلامة المجتمع يتحقق بالعدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان ووجود رأي عام نابه، وتجذر القيم الأخلاقية وترابط الشبكات الاجتماعية، وإعلام محايد قوي وقوانين صارمة مسلطة على رقاب الجميع بدون استثناء وسلطة قضائية مستقلة وشرطة في خدمة الشعب، ورئيس للجميع يتحرك بين الشعب، يستمع ويتعايش ويتجاوب بشكل حقيقي غير مصطنع، ما عدا ذلك يمثل دوافع حقيقية للفوضى والإرهاب..
لن يحقق العنف ضد المواطنين أمنًا، ولن تحقق القوانين الاستثنائية سلامةً.. فالعدل والاعتراف بالأخطاء هو الضمانة الحقيقية لأي استقرار
لم يكن الأستاذ حمدي رزق وحده الذي لفت انتباهي إلى قضية المحاكمات العسكرية للإخوان، وهي قضية كبيرة ربما لم تأخذ حقها إعلاميًّا.. الرئيس مشرف أيضًا لفت انتباهي للحدث من زاوية أخرى، قد يظنها البعض بعيدةً بعض الشيء، وذلك حينما سقطت دموعه- وهو الجنرال الحجري- أمام عدسات الفضائيات.
لم يبكِ مشرف على ضحايا المسجد الأحمر، وهم مئاتٌ، ولم يبكِ على الأطفال والنساء والعجائز الذين يستهدفهم القصف الأمريكي الأعمى على القرى الحدودية لباكستان، لكنه بكى وهو يترك الجيش مضطرًّا أمام غضبة الجماهير!!
البزَّة العسكرية والعصا والحذاء الغليظ والنياشين اللامعة، أطلقت العنان لدموع الجنرال وهو يودع الجيش؛ فهناك علاقة وثيقة بين الجيش وإحكام السيطرة على الدول وإخضاع الشعوب؛ لذا تظل الجيوش في دول العالم الثالث يد البطش وذراع الاستبداد.
رفض الأستاذ حمدي رزق توقيع بيان يستنكر فيه إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري، إلا بشرط استثناء قادة الميليشيات، يقصد شباب جامعة الأزهر، الذين كانوا يرتدون إشاراتٍ تحضُّ على الصمود!!.
هؤلاء الشباب اعتُقلوا لأسابيع قليلة، وقد تعرضوا لانتهاكات مروِّعة قبل أن يفرج عنهم القضاء بأحكام نهائية، بينما لا يزال أربعون من النخب يقبعون في أقبية السجون الباردة؛ بدعوى تحريض الطلبة المفرج عنهم!!.
أربعون من النخب بينهم 9 من أعضاء هيئات التدريس و8 أطباء و10 مهندسين و8 تجاريين، ومعلم، وصحفي، ورجال أعمال، ومفكرون وبعض الشخصيات المرموقة ممن لا يحملون الجنسية المصرية، ربما ذهبوا ضحية قرار ظالم، استهتر بالحريات، واستهان بالحرمات، فاستدعى العسكر، وحفر لمعارضيه أخاديد وقضبانًا.
المتهمون أطلقهم القضاء الطبيعي ثلاث مرات بأحكام نهائية واضحة لا تحتمل اللبس، فاحتبسهم العسكر الذين خلعهم الباكستانيون، وبقوا قيدًا محكمًا حول رقابنا إلى الآن.
لا أستطيع أن أشكك في الجيش، فنحن نكنُّ له الاحترام والتقدير، لكن لا يجب الزجُّ به في الخصومات السياسية والعداوات.. هو تاج على رؤوسنا يحمي الحدود ويعد العدة للأعداء فمكانه الطبيعي الثكنات، والمحالون إليه يجب أن يكونوا جنودًا.
يقول الفصل الثالث في إعلان المبادئ الأساسية: "لكل فرد الحق في أن يحاكم أمام المحاكم العادية أو الهيئات القضائية التي تطبق الإجراءات القانونية المقررة"، كما تنص المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية "أن الناس جميعًا، سواء أمام القضاء"، وتنص المادة 68 من دستور 71 "أن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي".. فهل القضاء العسكري قضاءٌ طبيعيٌّ بالنسبة للمدنيين؟!
المادة الأولى من قانون الأحكام العسكرية تنص على أن "الإدارة العامة للقضاء العسكري هي إحدى إدارات القيادة العليا للقوات المسلحة"، والمادة الثانية تنص على أنه "يتولى الإدارة العامة للقضاء العسكري مدير ضابط مجاز في الحقوق يتبع وزير الدفاع مباشرة"، وتنص المادة 59 من نفس القانون على أنه "يكون تعيين القضاة العسكريين لمدة سنتين قابلين للتجديد"، وتنص المادة 55 على أنه "يعين القضاة العسكريون من ضباط القوات المسلحة".
بمعنى أن القضاء العسكري يخضع بالتبعية المباشرة لوزير الدفاع، والقاضي العسكري يخضع لرؤسائه، وهو قابل للعزل أو النقل وولايته مؤقتة، ولا يشترط أن يكون حاصلاً على أي مؤهل في القانون!! فهل يعتبر هذا استقلالاً؟! بينما القاضي الطبيعي لا سلطان عليه لغير القانون، ويحظر أن يتلقى أموالاً أو مرتبات استثنائية سوى بنص المادة 68 من قانون السلطة القضائية، ولا يعزل القاضي ويحصن ضد الندب كما أنه يكون مؤهلاً قانونيًّا ومن ذوي النزاهة والكفاءة والخبرة، ثم كيف يحاكَم متهمون بالتجسس أمام محكمة أمن دولة ويحاكم أساتذة جامعات أمام محكمة عسكرية؟!
هذه معايير مختلة لن تجلب الأمن، ولكنها ستزيد من حجم الاستقطاب الحادِّ الذي يعاني منه المجتمع، وستُسيء إلى الحكومة التي تعاني من فساد غير مسبوق؛ نتيجةَ زواج السلطة برأس المال..
لا بد أن تتجه الدولة لتخفيف المعاناة عن الشعب المسكين، الذي يعاني المرارة والحرمان والفقر والجوع والعطش والبطالة والتمزق الأسري والتفكك الاجتماعي، وإلا سيحدث تغيير دراماتيكي لن نستطيع تحمل نتائجه.
العدل والرحمة هما ركيزة أي استقرار وأمن، أمن وسلامة المجتمع يتحقق بالعدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان ووجود رأي عام نابه، وتجذر القيم الأخلاقية وترابط الشبكات الاجتماعية، وإعلام محايد قوي وقوانين صارمة مسلطة على رقاب الجميع بدون استثناء وسلطة قضائية مستقلة وشرطة في خدمة الشعب، ورئيس للجميع يتحرك بين الشعب، يستمع ويتعايش ويتجاوب بشكل حقيقي غير مصطنع، ما عدا ذلك يمثل دوافع حقيقية للفوضى والإرهاب..
لن يحقق العنف ضد المواطنين أمنًا، ولن تحقق القوانين الاستثنائية سلامةً.. فالعدل والاعتراف بالأخطاء هو الضمانة الحقيقية لأي استقرار
Labels: مشاركات
0 التعليقات :
Subscribe to:
Post Comments (Atom)