بقلم: د. أمير بسام
قد أختلفُ مع أولئك الذين يتخذون من مناسبة ذكرى الزواج عيدًا يتجمع عليه الأقارب والأحباب، ولكنني متفقٌ مع أولئك الذين يجعلونها مناسبةً سعيدةً يُظهر فيها الزوج عواطفه نحو زوجته، ويكون ذلك في صورة هدية رمزية أو نزهة تجمع بين الزوجين؛ حيث تتجدد في هذه المناسبة عواطف المحبة وتتأصل مظاهر المودة، ولا يشترط التكلف في مثل هذه الأمور، ولكن يكفي الزوجين المثل القائل "بصلة المحب خروف".
وبعد أيامٍ ستكون ذكرى عقد قراني على زوجتي؛ ولأنني مسجون ظلمًا وعدوانًا، فلن أستطيع أن أشتري لها هدية أو أن أخرج معها في نزهة فنظامنا الظالم قد فرَّق بين الأهل والأحباب وأذاقنا- لفساده وطغيانه شقاوة الحرمان من الأحباب.
وقد فكرتُ مليًّا كيف احتفل بهذه المناسبة، وما الهدية الملائمة لزوجتي العزيزة، خاصةً أنها تحمَّلت معي الكثير والكثير، وقد هداني تفكيري إلى أن أُعلن على الملأ شكري لبعض مواقفها الطيبة معي، والتي حين أسردها في هذا المقال إنما أقصد بها شكر الله أولاً، فما شكر الله مَن لم يشكر الناس، ثم أقصد أيضًا أن يتعلم الشباب والشابات موقفًا تربويًّا من أختٍ لهم في الإسلام، وخاصةً أن المواقف العملية أكبر في تأثيرها من الكلمات النظرية.
تقدمتُ لخطبةِ زوجتي في شهر مارس عام 1986م وعقدتُ عليها في يناير 1988م، وأثناء فترة الخطوبة اعتُقلت عام 1987م، وكانت أول اعتقالاتٍ في العهد الحالي للإخوان، وكنا لا نعرف هل سنخرج أم لا وما مدة الاعتقال؟ وما موقف النظام منا؟ وكانت أول تجربة ولم نكن نتوقع الخروج أو الإفراج.
وبالنسبة لزوجتي أو خطيبتي آنذاك كان الأمر بالنسبة لها أشد فهي قد نشأت في بيتٍ قد حُرِمت فيه في طفولتها من حنان الأب؛ حيث اعتُقل أبوها في عهد عبد الناصر في أحداث 1965م وظلَّ في السجن تسعةَ أعوامٍ كاملةً هي فترة طفولة زوجتي، وقد رأت المعاناةَ التي عاشتها أمها في هذه الفترة وعاشوها هم كأسرةٍ بسبب غياب أبيهم عنهم وتنكر أقرب الأقربين لهم؛ خوفًا من بطش عبد الناصر آنذاك.
وها هو الموقف يتكرر معها ولكن بصورةٍ مختلفةٍ، فهي لا زالت في برِّ الأمان، والأمر لا يعدو قراءة فاتحة، أي خطبة محدودة لا يعلم بها أحد، ويمكن أن تُراجع نفسها، خاصةً أنني كنتُ حديث التخرج في سنة الامتياز وليس لديَّ مالٌ يُغري أو منصب يبقى، ولكن كل بضاعتي أنني من الراغبين في إرضاءِ ربي.
ونفس الموقف بالنسبة لأمها فها هي ترى أول فرحتها توأد في مهدها، وها هي أول بناتها زواجًا، سيتكرر معها ما حدث معها، وستكون المعاناة والألم، فهل تنصح ابنتها بالعدول عن هذا الزواج وتُبدي لها صعوبةَ الطريق ومشقة الفراق أم ماذا تفعل؟.
وأما والد زوجتي فالأمر بالنسبة إليه مختلف، فهو من المجاهدين الصابرين وتمسكه بي له ما يُبرره، ولكن عدم تمسكه بي له أيضًا ما يبرره.
وترى ماذا تفعل زوجتي- آنذاك- وما رأي أمها وما موقف أبيها؟!
أما زوجتي- أيها السادة- فقد تمسَّكت بي بل واقترحت على أبيها أن تقوم بعمل توكيلٍ لأبي رحمه الله لكي ينوب عني في العقد لي عليها حتى تقف بجانبي وتنتظرني حتى خروجي من السجن، والذي لم تعرف مدته آنذاك.
وأما أمها أكرمها الله فقد تعرَّضت لضغوطٍ شديدةٍ من أقاربها لينصحوها بالعدول عن هذه الزيجة، وعدم تكرار ما حدث معها لابنتها، ولكنها شجَّعت ابنتها على الاستمرار في هذا الزواج، والأكثر من ذلك أنها قالت لزوجها- صهري- لو خرج أمير من السجن واستمرَّ في دعوة الإخوان المسلمين فسنُكمل زواجه من ابنتنا، أما إذا ضعُف وتراجع فليس له زوجة عندنا.
هذا هو الموقف النبيل لزوجتي وأمها، فضلاً عن أبيها ترى هل يستحق هذا الموقف أن يُذكر؟ بالطبع نعم، ويكون مكانه في أنصع صفحات التاريخ؛ حيث يُكتَب من نورٍ في قافلة المجاهدين والمجاهدات والصابرين الصابرات.
ومواقفها كلها بعد ذلك سواء في إيثاري على نفسها ومساعدتي على الخير ومساندتي ضد الشر، وعدم تكليفي بما لا يُطاق، وحسن تربيتها لأبنائي، وحسن صلتها بأهلها وأقربائي كل هذه المواقف أعظم من أن تُذكر وأكثر من أن تُحصى.
وفي النهاية أهمس في أذن كلِّ شابٍ مقبل على الزواج.. هل عرفت لماذا نصحك الرسول الأمين- صلى الله عليه وسلم- قائلاً: "اظفر بذات الدين تربت يداك"؟