محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية عار علي القضاء وانتهاك للدستور
بقلم جمال البن
١٦/١/٢٠٠٨
١٦/١/٢٠٠٨
قرأت في جريدة الدستور (٨/١/٢٠٠٨) خبرًا أثار العجب، والأسي، قدر ما أثار الدهشة والاستنكار، يقول الخبر: «تقدم النائب المستقل محمد العمدة باستجواب إلي رئيس الوزراء ووزير العدل حول امتناع المحكمة الدستورية العليا عن الفصل في الدعويين رقمي ٧٢ و ٧٣ لسنة ١٧ ق دستورية عليا والمطعون فيها بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية والتي تجيز محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية.
وأشار النائب أمس الأول إلي أنه سبق أن رفع بعض المواطنين أكثر من دعوي أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة للطعن علي قرار رئيس الجمهورية بإحالتهم للمحاكمة العسكرية مستندين إلي عدم دستورية هذه الفقرة ومخالفتها نصوص الدستور التي تستوجب محاكمة المواطن أمام قاضيه الطبيعي، وذكر النائب أن محكمة القضاء بالقاهرة في ٧ نوفمبر ١٩٩٥ صرحت للمدعين بإقامة هذه الدعاوي وتم قيدها بالدستورية العليا، ومنذ ذلك التاريخ وحتي الآن أي منذ ١٣ عامًا لم تفصل المحكمة الدستورية فيها، وأوضح النائب أن هيئة مفوضي المحكمة الدستورية العليا أعدت تقريرًا بالرأي القانوني لكل دعوي وأرسلت هذه التقارير إلي المحكمة الدستورية العليا عام ٢٠٠٢ إلا أن المحكمة أعادت الدعاوي إلي هيئة المفوضين مرة أخري ليظل الحال كما هو عليه.
وأكد النائب أن استمرار دعوي قضائية دستورية أمام المحكمة لمدة ١٣ عامًا دون أن تفصل فيها يمثل امتناعًا منها عن الفصل في دعوي قضائية مهيأة للفصل فيها، وأضاف: «هذا الامتناع يؤكد وجود تفاهم بين السلطة التنفيذية ممثلة في الرئيس مبارك والمحكمة الدستورية العليا، وأن هناك اتفاقاً علي إهدار حقوق المواطنين في محاكمات عادلة أمام القاضي الطبيعي الذي ينص عليه الدستور وما يتفق مع المواثيق الدولية».
لا أفهم كيف أن مثل هذا الطلب الذي أريد به تطبيق الدستور وإعادة الشرعية يبقي في المحكمة الدستورية ١٣ عامًا، مع أن المفروض أن المحكمة الدستورية باعتبارها حامية الدستور كان يجب أن تشكر الذين تقدموا به لغيرتهم علي الدستور ومطالبتهم بحمايته ــ وهذه هي وظيفتها ــ وكان عليها أن تحكم فورًا بما تقضي به العدالة، وما جاء في نصوص الدستور.
إننا كلنا نجل المحكمة الدستورية ونري فيها ملاذاً لمن تبطش به السلطة.
فهل هناك قوة أكبر منها؟
هل هناك كما يقولون في بعض الحالات «جهة سيادية» توقف عملها، فترتكب مخالفة دستور ينص علي سيادة القانون وتتجاهل مهمتها.
هل هناك ــ كما ذهب إلي ذلك النائب محمد عبده ــ «تفاهم بين السلطة التنفيذية ممثلة في الرئيس مبارك والمحكمة الدستورية العليا، وأن هناك اتفاقاً علي إهدار حقوق المواطنين في محاكمات عادلة أمام القاضي الطبيعي الذي ينص عليه الدستور وما يتفق مع المواثيق الدولية».
لقد قدم النائب اتهامًا ــ أو شبهة اتهام ــ لأعلي قامة في السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، فكيف وسعها السكوت، والسكوت علامة الرضا في بعض الحالات.
إن هذا المقال يتقدم إليهما ــ بكل تواضع ــ أن يجيبا، وأن ينفيا عن نفسهما هذا الاتهام، وفي الوقت نفسه تستجيب المحكمة الدستورية العليا للنظر فورًا وحسم الأمر، وأن تقول «عفوًا إنه الحق، وإنه الدستور».
لقد تعددت الحالات التي تلجأ فيها السلطة للإفلات والالتفاف حول عدالة «القاضي الطبيعي»، وللفصل في قضايا مدنية بروح قضاء عسكري لا تتوفر فيه الضمانات التي يوفرها القضاء الطبيعي.
ما أكثر الأحكام التي أصدرتها محاكم استثنائية جاوزت بها حدود العدالة واستؤنفت وحكمت محكمة النقض ببعضها وانتزعت الأبرياء من سجونهم التي أودعوها ظلمًا، وتعطل عملهم، ولوثت سمعتهم، وأصيبوا بالأمراض، وكان من الممكن أن يرفعوا قضية علي الدولة تطالبها بتعويض بملايين الجنيهات.
هل نسينا محاكمة الدكتور سعد الدين إبراهيم والحكم عليه في محكمتين بالسجن سبع سنين حتي أنقذته محكمة النقض ونسفت أحكام المحكمتين نسفاً وقضت ببراءته، رغم ما أحيط به القضاء من جو عدائي نتيجة لسوء فهم الرجل أو فهم دوافعه.
لقد شاهدت المحاكمة العسكرية للقيادات الإخوانية العجب العجاب، وأشهدت العالم كله علي ركاكة الادعاءات وبطلان الشهادات، بل كشفت عن أن الأفراد المكلفين بتفتيش بيوت رجال الأعمال الإخوانيين قد استولوا علي «خزينة» كاملة بها ما يقارب مليون جنيه، وما كان أغني السلطات عن أن تعرض نفسها للتشهير بهذه الواقعة المسيئة، ويندد بها محامي الدفاع ويتساءل «من المجرم في هذه القضية؟ صاحب الخزينة أم من سرقها»، لافتاً إلي أن الذي سرق محتويات الخزينة هو الذي سرق مشروعية الجماعة، وسرق الوطن، من حاكم سارق الخزينة؟ من حاسبه معتبرًا أن وجود «حرامية» في أجهزة أمن الدولة معناه أن هذه الأجهزة مخترقة، ولو سكتنا لهم هذه المرة علي سرقتنا وحبسنا، فالله أعلم ماذا سيفعلون في المرة القادمة.
إن الإجراءات التي اتبعت في اعتقال أربعين شخصًا من القيادات الإخوانية، فيهم رجال الأعمال في الجماعة، تؤكد أن ما حدث لا يدخل في إجراءات أمن، وإنما هو سطو مسلح، سطو انتزعوا به الرجال من وسط أسرهم، الزوج من زوجته، والأب من أبنائه، وزجوابهم في عربة الترحيلات القذرة، المغلقة التي هي زنزانة متحركة، ثم عبثوا بكل شيء في الشقق، وقلبوا المراتب، وأفرغوا الدواليب، ووضعوا أيديهم علي كل الأموال.
لم يحدث أبدًا أن يقوم المسؤولون عن إجراءات القبض علي مطلوبين متهمين بالاستحواذ علي أموالهم في قضية سياسية، لأن المطلوب من التفتيش هو البحث عن أدلة جنائية تثبت الاتهام وليس من هذه الأدلة أن لديه مالاً، خاصة إذا كان من رجال الأعمال، فكل رجال المال يحتفظون بمبالغ جسيمة لتكون تحت الطلب العاجل أو أمر طارئ، ولو كانت التهمة الموجهة إليهم اختلاسًا لجاز الاستحواذ علي هذا المال.
إن مصير الأموال يتقرر بعد المحاكمة، ويمكن مثلاً أن يثبتوا في محضر الضبط والتفتيش وجود مبالغ معينة، أما استحواذ رجال الضبط علي أموال تمثل جزءًا من رأسمال شركة، أو ادخارًا للقيام بعمليات اقتصادية.. الخ، فهذا ما لا يحدث لأن من المعروف أن ما يدخل في يد هيئات الضبط لا يعود.
وليس هذا إلا صورة من السطو.. والسطو المسلح المدجج بالسلاح.
وأسوأ من هذا :
إنه تقويض للشرعية.. تهديد للحرية.. انتهاك للدستور.. حرب علي الأمن والأمان، وأي شيء بالله يمكن أن يكون أسوأ من هذا.
Labels: مشاركات
0 التعليقات :
Subscribe to:
Post Comments (Atom)