د. عبد الرحمن سعودي
يذكر التاريخ الإسلامي أن رجالاً كانوا أغنياء، بل شديدي الغنى، ولم يمنعهم غناهم أن يكونوا من المصلحين والدعاة إلى الله والمجاهدين في سبيله.
بل إن هؤلاء الأغنياء جعلوا ما أفاء الله عليهم من نعم سابغة وسيلةً لخدمة الإسلام وإصلاح المجتمع ونصرة الحق، ومن أمثلة ذلك في التاريخ الإسلامي "أبو بكر الصديق وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف" رضي الله عنهم أجمعين.
وقد لقيت في المعتقل من أمثال هؤلاء في أيامنا هذه رجل الأعمال الناجح دكتور عبد الرحمن سعودي؛ فهو رجل من رجال الأعمال المصريين, ووالده الحاج محمد سعودي أحد روَّاد التجارة في المواد الغذائية, وقد بدأ عمله الحرّ مع والده منذ صغره، رغم أنه تخرَّج في كلية الطب، إلا أنه عمل مع والده في التجارة ثم اتجه إلى المقاولات؛ لذلك فهو طبيب وتاجر ومهندس ومقاول.
وإذا أردنا أن نرى كيف يكون رجل الأعمال نافعًا لغيره ووطنه ودينه، فليكن ما يفعله الدكتور عبد الرحمن هو المثال الواقعي لذلك؛ حتى يكون حجةً على غيره.
إن أول ما يفكِّر فيه الدكتور عبد الرحمن حين يتقدم إلى مقاولة هي مدى نفعها للمجتمع والناس؛ لذلك يقبل مناقصات بناء المستشفيات ذات اليوم الواحد التابعة لوزارة الصحة؛ لأنه رأى فيها خدمةً للناس، كما سارع في المشاركة في إعمار السودان؛ تقويةً لبلد شقيق مسلم، ورغم ضعف العائد المادي المتوقَّع وقتها.
وقد حدثني دكتور عبد الرحمن أن عدد العاملين لديه قد وصل إلى ما هو أكثر بكثير من طاقة العمل لديه, ولكنه كان يرى أنه من المستحيل عليه أن يقوم بفصل أحد من عنده؛ لأنه على يقين بأن الله هو الذي يرزقهم.
وهو في سلوكه مع العاملين لديه يُعتبر أبًا رحيمًا وليس فقط صاحب عمل؛ ولذلك فقد أنشأ للعاملين لديه صندوق تكافل يسهم هو فيه بمبالغ كبيرة لمساعدة الموظفين لديه فيما يحدث لديهم من طوارئ، أو ما يريدونه من احتياجات مختلفة، بل وفي كثير من الأحيان يتعدَّى اهتمامه بالموظفين لديه إلى أُسَرِهم أيضًا, فهو يسأل الموظف عنده عن حال أسرته وظروفها, وإذا وجد أن لديه أبناء على وشك التخرُّج اجتهد في أن يدفعهم إلى سوق العمل، سواءٌ بالتوظيف أو بمساعدتهم في السفر إلى الخارج، أو أحيانًا يُنشئ مشاريع لهم بقروض حسنة.
ودكتور عبد الرحمن يسعد معه شركاؤه, فهو يفضِّل رضا شريكه ودوام صلته على مكسب عاجل أو عرض زائل؛ ولذلك أجمع من تعامل معه على حسن سيرته وجميل معاملته، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "ازهد فيما عند الناس يحبُّك الناس".
ولكل ما سبق نرى أن الله عز وجل قد أفاء عليه من فضله, وزاده في ماله, وبارك الله في أولاده؛ أما البركة في الأولاد, فإنك تلمسها حين ترى أبناءه وأبناء أخيه وهم يزورونه, تجد أنهم شباب أطهار، لم تنحرف بهم أموالهم إلى الميوعة وانحراف الشباب، بل كانت سببًا لاستقامتهم وانتهاجهم طريق العمل الدؤوب.
وإذا كان دكتور عبد الرحمن يُضرب به المثل كرجل أعمال ملتزم وناجح؛ فإن الكرم يعرف بالدكتور عبد الرحمن, وهو يُعرف بالكرم؛ لأنه ينفق نفقةَ من لا يخشى الفاقة أبدًا, بل امتدَّ كرمه إلى الفقراء من المحبوسين الجنائيين, فكثيرًا ما نجد على باب زنزانته من يريد مساعدةً من مال أو طعام أو شراب, فلا يبخل بشيء.
ومن المعروف عن الدكتور عبد الرحمن أنه يعشق قِرَى الضيف وإكرامه، حتى إنك تراه يستمتع حين يأتي بالطعام ويدعو إليه إخوانه المحبوسين، ويقف على رأسهم خادمًا ومطيعًا بكل تواضع وأدب, وهو دائمًا يتحرَّى إطعام الطعام في أيام الفضل؛ ففي رمضان كان ينزل إلى الشارع بنفسه ليوزِّع الطعام على عساكر المرور والمارَّة في الطريق, وهو حين يوزِّع الطعام يجتهد أن يكون مجهَّزًا في نفس اليوم، أي من نفس الطعام الذي يأكله، ولا يوزّع من طعام الأمس حتى وإن كان صالحًا.
وقد علمت من آخرين أنه في موسم الحج يسافر ويبذل قصارى جهده في أن يقوم بنفسه بإطعام حجاج بيت الله الحرام, وكذلك على خدمتهم، ولما سألته عن العلة في هذا؟ أجاب بأنه "يريد أن يذلَّ نفسه لله في خدمة الحجيج".
ومن المواقف الطريفة أنه قد أتاه ذات يوم فاكهة في أول أوانها فأبى أن يذوقَ منها حتى يطعم إخوانه قبله, فأعطاه لزميل له كي يمر بها على الزنازين حتى يأخذوا حاجتهم أولاً, ثم يأخذ هو وزملاؤه الباقي، لكنه فوجئ بأن زميله قد عاد خاليَ اليد بعدما قام بتوزيع كل ما كان معه على باقي الزنازين؛ ظنًّا منه أن دكتور عبد الرحمن قد استبقى له بعض هذه الفاكهة بالزنزانة.
والدكتور عبد الرحمن بالإضافة لكرمه هذا فإنه أيضًا شديد التواضع، يقابلك فتراه يقبِّل رأسك، وأحيانًا يقبِّل يديك بتواضع يخجلك، وهذا مع الكبير والصغير على السواء, كما تجده حين يدخل مكان الزيارة يُحضر معه كميةً كبيرةً من الحلوى, ويمر بها على الأطفال واحدًا تلو الآخر, بالإضافة إلى كمية أخرى من العصائر يوزِّعها عليهم، ويُحكى أنه ذات يوم كان متوجِّهًا إلى المستشفى في عربة الترحيلات وصدر من عساكر الأمن ما ضايقه، فانفعل عليهم، وقد كان محقًّا فيما حدث، ولكنه بعد فترة قليلة وجدناه يعتذر لهم ويحاول ترضيتهم بشتى الصور، رغم أنهم أصلاً هم الذين أخطئوا في حقه.
وفي مرة أخرى اشتريت له حاملاً للمصحف، ولكن البائع غالَى كثيرًا في ثمن الحامل، وكان تعليقي له: "أن الرجل طمعان فيه" فردَّ قائلاً: "بل هو عشمان، يفعل ذلك من عشمه، وقد تكون هذه هي صدقة السر".
ومما يجعلني أشعر بكثير من الاحترام والتقدير لهذا الرجل هو صبره على ما ابتلاه الله به، من تحفُّظ على أمواله وإغلاق شركاته، وحين سألته عن حال شركاته ومشاعره عما حدث له، قال "إنه لا يفكر الآن وهو داخل السجن إلا في إرضاء ربه"، وقال ذات مرة لإخوانه وهو يحثهم على الصبر: "إن الله هو الذي رزقنا، وهو الذي قدر لنا التحفّظ على أموالنا، وفي هذا بالتأكيد خير لنا، وإن كنا لا ندركه فالحمد لله على كل حال"، ولذلك لا تجده يتأثر بما أصابه، بل إنه يصبر ويتصبَّر ويدعو غيره إلى الصبر.
هذا هو دكتور عبد الرحمن سعودي، رجل الأعمال الناجح الكريم المتواضع، رجل الأعمال الذي يفكِّر في بلده ووطنه وشعبه قبل أن يفكر في نفسه، رجل الأعمال الذي لم يسرق البنوك ولم ينهب الأموال أو يستغلّ الشعب، تُرى من يستحق السجن؟! أهذا الأنموذج الرائع من رجال الأعمال أم أولئك الذين احتكروا وسرقوا ونهبوا أم هؤلاء الذين يأكلون أموال العاملين لديهم فضلاً عن أموال المشتركين معهم؟!
أعتقد أن الإجابة لا تحتاج إلى تفكير كثير
Labels: زهور في البستان