مدونات ضد المحاكمات : الحرية لمدحت الحداد | الحرية لعصام حشيش | الحرية للدكتور بشر | الحرية لضياء فرحات | الحرية لخيرت الشاطر | الحرية لحسن مالك


ورد في حديث الرسول- صلى الله عليه وسلم- أنه قال لأصحابه إنه سيدخل عليكم من هذا الباب رجلٌ من أهل الجنة, ودخل رجل عليهم، وتكرَّر قوله- صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أيام، ويدخل عليهم نفس الرجل، فذهب إليه أحد الصحابة (عبد الله بن عمرو) ليعرف سرَّ هذا الرجل, فعلم أنه يبيت ليلَه ولا يحمل غشًّا ولا حسدًا ولا بغضاء على مسلم، أي أنه طيِّب القلب صافي النفس, وأحتسب أن الأستاذ الدكتور عصام حشيش كذلك.

هو أحد طيبي القلب وأصفياء النفس, وهذه ليست شهادتي بمفردي, بل هي شهادة كل مَن تعامل معه, وطيبة قلبه تجاوزت إخوانه بل تعدَّتهم إلى مَن ظلموه وآذوه؛ فهو لا يحمل لهم أي بغضاء، بل دائمًا ينهانا عن الدعاء عليهم, بل يأمرنا بالدعاء لهم.

أذكر يومَ حكمت علينا المحكمة الجنائية بتأييد التحفُّظ ومصادرة أموالنا، وقد كانت محاكمةً هزليةً لم يُسمح لنا فيها بالمرافعة أو الدفاع، فلم أتحمل الموقف, فأخذت أدعو على هذا الظالم ومَن أَمَرَه بظلمنا، ودعوتُ بانفعالٍ وصوتٍ عالٍ, فوجدته يجذبني من ملابسي ويقول "ادعُ بأن يهديَه الله".

وقد مرض الدكتور عصام وأصابته أزمة قلبية ونزيف في المعدة- ونحن في السجن- وتم تحويله إلى مستشفى المنيل الجامعي ومنه إلى مستشفى ليمان طرة، وحان موعد المحاكم العسكرية فأحضروه من مستشفى الليمان إلى المحكمة في سيارة الترحيلات, فاجتمع عليه سوء أحوال مستشفى ليمان طرة وسوء حالة سيارة الترحيلات وصعوبة مكان المحكمة, ومع حالته الصحية الحرجة أصيب بهبوطٍ حادٍّ قُبيل انصرافنا من المحكمة، وجاءته زوجته وأبناؤه وهم يبكون، وكان مشهدًا يبكي الحجر قبل البشر.

فاندفع أحد إخواننا بالدعاء على الظالمين وأعوان الظالمين- يقصد بذلك الشرطة العسكرية والمدنية كأعوان الظالمين، ولكن الدكتور عصام- وهو المجني عليه، وهو في قمة المرض- أخذ يقول للأخ "ليسوا هؤلاء؛ إن هؤلاء إخواننا"، فكان الموقف درسًا بليغًا للجميع, وهو كيف يحمل الداعي إلى الله الحبَّ والخيرَ نحو كل الناس حتى من ظلمونا.

ويحرص الدكتور عصام حريص كلَّ الحرص على إدخال السرور على إخوانه؛ تجده يجتهد في ذلك أيَّما اجتهاد؛ فهو يحتفظ ببطاقات التهنئة للمناسبات المختلفة، وقد جمع ذكرى ميلاد كل فردٍ من المحالين إلى المحاكمة العسكرية، ثم يقوم في غياب الأخ عن سريره بوضع بطاقة تهنئة له عليه بمناسبة ذكرى ميلاده, كما قام بتنظيم عدة حفلات سمر لإخوانه؛ تجده يجتهد فيها في ابتكار ألعاب وحيل ترفيهية حتى يرى إخوانه وهم يضحكون ويمرحون وهو سعيد بذلك، رغم أنه من أكبر المحبوسين سنًّا، فضلاً عن مكانته العلمية والأدبية.

ثم هو نِعْم المستشار؛ يتميز بأدبٍ جمٍّ وخُلُقٍ رفيعٍ يجعله محطَّ تجميع القلوب وتأليف النفوس, وقد يظن مَن يقرأ هذا الكلام أننا أمام رجل بسيط ليس له في ميدان العلم والعمل العام باعٌ طويل، لكنه ليس كذلك؛ ففي مجال العلم هو من علماء مصر البارزين في مجال الاتصالات، وقد أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه في مجال الاتصال، وله أبحاث علمية كثيرة؛ مما يجعله يستحق جائزة الجامعة التشجيعية للعلوم الهندسية, والدكتور عصام له أثر وتأثير في زملائه وطلابه؛ فطلابه قاموا بمظاهرةٍ في جامعة القاهرة مطالبين بالإفراج عنه, كذلك قام زملاؤه الأساتذة وطلابه بإضرابٍ لمدة أسبوع والمطالبة بالإفراج عنه، وعلَّقوا لافتاتٍ مطالبين بهذا.

وقد قام الطلاب والأساتذة بهذا الأمر ليس لمكانته العلمية بينهم فقط, بل لجهده الاجتماعي معهم؛ فهو أخ لكل زملائه من الأساتذة، وأب لكل طلابه؛ يأتمنه الطلاب على أسرارهم ويسألونه احتياجاتهم فلا يغيب عنهم ولا تغيب عنه حتى غيَّبه الظالمون في السجن لمدة عام كامل حتى الآن.

وقد استطاع الدكتور عصام أن يكون لسان زملائه في المطالبة بحرية الجامعة واستقلالها؛ ولذلك أسَّس لجنةَ الحريات وتولَّى مقررها العام, وكان يجتهد في المطالبة بحق كل مَن سُلبت حريته أو اعتُدِيَ على خصوصيته، وأضف إلى كل هذا نشاطه النقابي؛ فهو عضو المجلس الأعلى لنقابة المهندسين، وله دوْر اجتماعي ومهني فيها يشهد به كل مَن تعامل مع نقابة المهندسين.

هذا هو الأستاذ الدكتور عصام حشيش، أستاذ الاتصالات بكلية الهندسة جامعة القاهرة العالم المثالي, والذي حصل على مركز الأستاذ الجامعي عن قسمه بجامعة القاهرة.

إنه العالِم في تخصصه, إنه الأب لطلابه, الخدوم لأبناء مهنته, المطالِب بحرية زملائه ورفعة شأنهم.

إن مثل الدكتور عصام لو وُجد في بلدٍ تريد لنفسها التقدم لرفعته مكانًا عليًّا، ولكن لأننا نُحكَم بالفاسدين وضعوه في سجنٍ لعينٍ ليكون وسط الجنائيين بدلاً من أن يكون على رأس القوم أجمعين

0 التعليقات :

أضف تعليقك