لقاء الأحبة
أخي الحبيب.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن أحوالنا في هذا المعتقل أحوالُ عاطفةٍ وفكرةٍ؛ فإننا نقضي يومنا بين عبادةٍ أو قراءةٍ، أو زيارةٍ أو رياضةٍ أو تفكُّرٍ؛ فهذه هي حياتنا منذ ما يزيد عن العام، وفي المساء يزداد الهدوء ويزداد السكون، فتجلو الفكرة، ويرق القلب، وتصفو النفس، وعندها نشتاق لأحبابٍ لنا في الله لم يفارقونا لحظةً رغم قسوة الأسوار، وبُعد المسافات، فلا نملك سوى الورقة والقلم؛ نبثُّ من خلالهما مشاعرَ الحب والود والاشتياق.
من أجلكم قد جرعنا في الهوى غُصَصًا نحسو الفراق ولا نشكو مآسينا
يسرنا ذكركم دومًا ويبهجنا ومُنْية القلب دومًا أن تلاقينا
روح تسري
إن من فضل الله أنْ منَّ علينا بنعمة الإيمان والإسلام، وكفى بهما نعمة، وزادنا نحن الإخوان المسلمين نعمةَ الفَهْم الصحيح للإسلام؛ هذا الفهم الذي ربَّى عليه الإمام حسن البنا- رحمه الله- جيلاً كاملاً من الرجال والنساء والشباب، فكانوا، بفضل الله، مناراتٍ أضاءت الوجود علمًا وعملاً وورعًا وتُقًى، ولكم اشتاقت الأرض إليهم بعد طول تيهٍ في ظلمات الجهل والانحراف والغفلة، حتى أتى بهم الإمام البنا من مدرسة النبوة الكريمة، فحملوا مشعل الهداية للبشرية كلها.
مُثُل كالنجوم بل هي أعلى ومعانٍ كالفجر في إشراقه
منهم هؤلاء الرجال
إن نهر الدعوة الزاخر بأمثال هؤلاء الرجال أفاض بقطرةٍ منه في هذا المعتقل، فرأيتُهم كما ذكر الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "ألا إن لله تعالى في الأرض أواني، ألا وهي القلوب؛ فأحبها إلى الله أرقُّها، وأصفاها وأصلبها أرقُّها للإخوان، وأصفاها من الذنوب وأصلبها في ذات الله" (أخرجه الطبراني، إلا أنه قال: "ألينها وأرقُّها، وإسناده جيد").
فهُم قلوب رقيقة، وهمم عالية، وصفاء في النفوس، وصلابة في الدين.. هم قرآنٌ يمشي على الأرض كما أرادهم الله عز وجل، ونبيُّهم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؛ فهموا الإسلام وتمثلوا به وعاشوا له، لم يجتزئوا دينهم، ولكن عاشوه بشموله وكماله.. رجال إيمان وعمل؛ تراهم عبَّادًا صادقين في محرابهم، وأصحاب ثقافة وفكر إذا تحدثوا، وفي الملاعب الرياضة ترى مهاراتهم، وفي تخصصاتهم المهنية أصحاب السبق، وفي خدمة من حولهم في المقدمة، دعاةً إلى الله في حركاتهم وسكناتهم، انطلقوا بإسلامهم يؤسسون نهضة أمتهم، متحملين العنت حسبةً لربهم العليم الخبير، ويطيب لي أن أذكرهم لك عسى أن ينفعنا الله عز وجل بذكر عباده الصالحين.
في التجارة والمال: م. خيرت الشاطر- أ. حسن مالك- د. عبد الرحمن سعودي- د. ضياء فرحات- م. مدحت الحداد (مرشح لعضوية مجلسي الشعب والشورى)- أ. صادق الشرقاوي- أ. محمود عبد الجواد- أ. سعيد سعد.
في الطب: أ. د/ محمود أبو زيد (أستاذ الأوعية الدموية بكلية طب القصر العيني)- أ. د/ عصام عبد المحسن (أستاذ الكيمياء الحيوية بكلية الطب جامعة الأزهر)- أ. د/ صلاح الدسوقي (أستاذ التشريح بكلية الطب جامعة الأزهر)- أ. د/ أمير بسام (أستاذ علم الأنسجة بكلية طب أسيوط جامعة الأزهر)- أ. د/ محمد بليغ (مرشح نائب رئيس معهد بحوث أمراض العيون).
في صناعة الدواء: د. محمد حافظ.
في الهندسة: أ. د/ محمد بشر (أستاذ الهندسة الكهربية بكلية الهندسة جامعة المنوفية، والأمين العام لنقابة المهندسين سابقًا، والأمين العام لاتحاد المنظمات الهندسية الإسلامية سابقًا)- أ. د/ عصام حشيش (أستاذ الاتصالات بكلية الهندسة جامعة القاهرة، وعضو المجلس الأعلى لنقابة المهندسين المصرية سابقًا)- م. أحمد النحاس (أمين صندوق نقابة المهندسين بالإسكندرية سابقًا)- م. أيمن عبد الغني (مدير تنفيذ بشركة المقاولين العرب عثمان أحمد عثمان)- م. ممدوح الحسيني.
في السياحة والزراعة: م. زراعي/ أسامة شربي (عضو مجلس نقابة الزراعيين بالإسكندرية).
في المحاسبة: أ. مصطفى سالم- أ. محمد مهنى- أ. جمال شعبان- أ. السيد معروف.
في البنوك: أ. ياسر عبده.
في التعليم: أ. فتحي البغدادي.
في العلوم والجيولوجيا: أ. د/ خالد عبد القادر عودة (أستاذ الجيولوجيا بكلية العلوم جامعة أسيوط، ومرشح لمجلس الشعب سنة 2000، 2005).
في الشريعة والقانون: أ. د/ فريد جلبط (أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر).
في الإعلام والصحافة: أ. أحمد عز الدين (رئيس تحرير مجلة المجتمع الكويتية سابقًا، وجريدتَي الشعب وآفاق عربية، ومرشح لعضوية مجلس نقابة الصحفيين سابقًا).
في الطباعة والنشر: أ. أحمد أشرف- أ. حسن زلط.
يمكنك التعرف على سيرتهم الذاتية تفصيلاً في موقع المحاكمات العسكرية بموقع (إخوان أون لاين) أو في موقع (ثمن الحرية).
هؤلاء الأحبة تمثلوا الإسلام كما فهموه من الأستاذ البنا عندما قال: "الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعًا؛ فهو دولة ووطن، أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة، أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون، أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة، أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواءً بسواء" (رسالة التعاليم- أ. البنا).
فكانوا كما يصفهم الأستاذ البنا عليه رحمة الله: "ومن هنا كان كثير من مظاهر أعمال الإخوان يبدو أمام الناس متناقضًا، وما هو بمتناقض؛ فقد يرى الناس الأخ المسلم في المحراب خاشعًا متبتلاً يبكي ويتذلل، وبعد قليل يكون هو بعينه واعظًا مدرسًا يقرع الآذان بزواجر الوعظ، وبعد قليل تراه نفسَه رياضيًّا أنيقًا؛ يرمي بالكرة أو يُدرّب على العَدْو، أو يمارس السباحة، وبعد فترةٍ يكون هو بعينه في متجره أو معمله يزاول صناعة في أمانةٍ وفي إخلاصٍ؛ فهذه مظاهرُ قد يراها الناس متنافرةً؛ لا يلتئم بعضها ببعض، ولو علموا أنها جميعًا يجمعها الإسلام ويأمر بها الإسلام ويحض عليها الإسلام لتحقَّقوا فيها مظاهر الالتئام ومعاني الانسجام" (رسالة المؤتمر الخامس- الأستاذ البنا).
لن يطلع الفُجْر يومًا من حناجرنا ولن يصون الحي من بالحمى غدروا
لن يكسر القيد من لانت عزائمُه ولن ينالَ العلا من شله الحذر
الشخصية الإسلامية
أخي الحبيب..
إن هذا الفهم يحقق التوازن في بناء الشخصية الإسلامية، والذي يشمل جوانب الفكر والوجدان والسلوك، ويلبي احتياجات الجسد وأشواق الروح، ويجعل للإنسان هدفًا كبيرًا ساميًا يرتبط بالسماء، بعيدًا عن حمأة الأرض وتطلُّعاتها الصغيرة، فتسمو نفسه وينطلق فكره إلى آفاقٍ ساميةٍ رحبةٍ من العلم والمعرفة، والنقاء والطهر، فتنطلق بإرادتها وعزيمتها الفتية الخالصة لله عز وجل؛ تبني حضارةً زاهرةً هي عزُّ الدنيا وعزُّ الآخرة.
وكلما زاد التزامنا بهذه التربية وهذا المنهاج كلما كان ذلك ظاهرًا في أخْذ أنفسنا مآخذ الجد والهمة العالية، التي لا تعرف الدَّعة والراحة، فلم نغفل عن صلاة تهجد ولا صلاة فجر ولا تأخَّر وقتُ فريضة، ولا أداء نافلة وعبادة، ونبني أجسادنا بالرياضة، وعقولنا بالعلم والثقافة النافعة، وتهذيب أنفسنا، وإتقان مهننا، والتفوق في دراساتنا، والاستفادة من أوقاتنا، وخدمة مجتمعنا، وتنظيم شئوننا، وتأسيس أسرنا على الإسلام والعمل لدعوتنا بفهم وإخلاص؛ عملاً دءوبًا، ونحيا مع إخواننا بحب وثقة وإخوة وطاعة، ونعيش جهادًا وتضحية في سبيل الله، ولدعوتنا بتجرد وثبات بدفعنا لذلك قوله تعالى ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ (طه: من الآية 84).
﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (آل عمران: 133).
يا أمة الحق هُبِّي الآن في غضب كيف استكنت لذل العجز والندم
فلنعتصم بلواء الله في جَلِدٍ والله للحق دومًا خير مُعتَصَمِ
لذلك كانت دعوة الإخوان تشمل كل نواحي الإصلاح.
أخي الحبيب..
وكان من نتيجة هذا الفهم وهذه التربية أن انطلق رجال الإخوان يؤسسون نهضة بلدهم، فينشئون بجهودهم وأموالهم وإمكاناتهم الخاصة المعاهدَ العلمية، والجمعيات الأهلية، والشركات الاقتصادية، والمستشفيات ودُور الطباعة والنشر لنشر ثقافة النهضة، والأندية الرياضية، والصحف والمجلات، وغير ذلك في كل المجالات.
أما العاملون في مؤسسات الدولة فكان لهم تفوقهم وتميُّزهم في كافة المجالات، سواءٌ في الجامعات والمعاهد، والمدارس والمصانع، والشركات والإعلام.. إلى غير ذلك، وكذلك كان لهم حضور مؤثر في المؤسسات السياسية، كمجلس الشعب والمحليات، وأيضًا في النقابات المهنية والعمالية، وهكذا.. كلٌّ يعمل بجد وإخلاص لنهضة أمتهم وإعادة مجدها التليد، وفي ذلك يقول الأستاذ البنا عليه رحمة الله:
"وكان من نتيجة هذا الفهم العام الشامل للإسلام عند الإخوان المسلمين أنْ شملت فكرتهم كلَّ نواحي الإصلاح في الأمة، وتمثلت فيها كل عناصر غيرها من الفِكَر الإصلاحية، وتستطيع أن تقول- ولا حرج عليك- أن الإخوان المسلمين: دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية.
وهكذا نرى أن شمول معنى الإسلام قد أكسب فكرتنا شمولاً لكل مناحي الإصلاح ووجه نشاط الإخوان إلى كل هذه النواحي، وهم في الوقت الذي يتجه فيه غيرهم إلى ناحية واحدة دون غيرها يتجهون إليها جميعًا، ويعلمون أن الإسلام يطالبهم بها جميعًا" (رسالة المؤتمر الخامس بتصرف- الأستاذ البنا).
صدق من قال: "كلما أشرقت شمس الهداية انزوت ظلمات الجهالة".
أخي الحبيب..
إن هذا المنهاج وهذه التربية هما ما يحتاج إليهما كلٌّ منا؛ رغبةً في ثواب الله عز وجل، وأيضًا تحتاجها أمتنا لتبنيَ نهضتها التي لن تنطلقَ إلا من دين هذه الأمة، وفَهْمها الصحيح له، وكلما زاد تمسكنا وانتشر هذا الفهم الصحيح للإسلام؛ علمًا وتربية وعملاً، كلما تلاشى الباطل وانزوى الجهل والتخلف محصورًا في زوايا النسيان.
﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلْ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ (17)﴾ (الرعد).
وإلى لقاء قريب.
Labels: إسلامنا .. أحمد شوشة