الذي يتابع الصحف المصرية الصادرة في الأسبوع الماضي يلاحظ أن الكلام عن مستقبل الحكم في البلد ارتفعت وتيرته، وأن هناك إشارات عدة يتعذر تجاهلها، وقبل محاولة رصد تلك الإشارات ينبغي ملاحظة أن ذلك التواتر في الحديث في الموضوع ليس صدفة، ولا هو مجرد توارد خواطر، وإنه مما ينطبق علي المثل الذي يقول إنه لا يوجد دخان بغير نار، الأمر الذي يعني أن تلك الكتابات إن لم تكن صدي لحوار وتفاعلات موجودة في طوابق السلطة العليا، فهي علي الأقل لأناس شموا رائحة «الدخان» وعرفوا مصدر النار، التي ليست بالضرورة مقدمة لحريق لا قدر الله، ولكنها في الأغلب مؤشر علي أن ثمة شيئاً «يطبخ» في دهاليز تلك الطوابق العالية.
من الكلام الذي قرأته فهمت أن ثمة صراعاً حول مستقبل الحكم، وأن الأمر ليس محسوماً ولا هو راجح علي النحو الذي دلت عليه مختلف الشواهد في المرحلة الماضية، وأن السيناريو الذي جري الترويج له خلال تلك المرحلة ليس مقطوعاً به ولا هو الوحيد في الساحة، وفي تعزيز هذا الرأي ظهرت كتابات مهمة تحدثت عن ثورة 23 يوليو وكونها تمثل الأساس لشرعية الحكم في البلد، وانتقدت تلويح البعض بحكاية العنصر «المدني» تارة و«الليبرالي» تارة أخري، واعتبرت أن الربط المباشر بين مدنية الحاكم وديمقراطيته لا يخلو من تبسيط ساذج، لأن العالم العربي عرف حكاما مدنيين لم يعرفوا البزات العسكرية، وعلي ذلك فإنهم كانوا ولايزالون في الصف الأول من المستبدين، ثم إن حكاية الليبرالية هذه فضفاضة ومطاطة، بوسع أي أحد أن يدعيها، ناهيك عن أن الأهم من الاثنين أن يكون المجتمع قوياً بحيث يستطيع أن يكبح جماح أي حاكم يجنح إلي التسلط، بصرف النظر عن الثياب التي يرتديها.
قرأت أيضاً لمن تحدث عن المجهول الذي تنتظره مصر، ورغم أن ذلك المجهول كان سيد الموقف طوال ربع القرن الأخير، إلا أن الإشارة إليه هذه الأيام تثير الانتباه، فإذا كانت استنتاجاًً فهي تعني أن ثمة خلفيات، بنيت عليها الإشارة، وإذا كانت معلومات فإن الانتباه إلي الكلام يصبح أكثر إلحاحاً وجدية.
في هذا السياق فإن الحملة علي أحمد عز وتصويب العديد من السهام نحوه أعتبره ليس هدما له وحده، وإنما هو أيضاً تجريح لمن يسانده وارتبط اسمه به.
يعزز هذا الرأي أن عز ليس المحتكر الوحيد، كما أن أسعار بضاعته في حدود الأسعار المتداولة في الدول المجاورة، ثم إن غيره بالغ في أسعاره وفعل أكثر مما فعله عز في الأسواق وفي السياسة، ومع ذلك فقد تم تجاهله، وأطلقت السهام علي عز وحده.
قرأت لأحد زملائنا تقييماً لأهل القرار في مصر،وصفهم فيه بالعبارة القرآنية التي تتحدث عن قوم «تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتي»، وهي إشارة شبه صريحة إلي وجود صراعات بينهم، من الواضح أنها مستمرة ونتائجها لم تحسم بعد.
يتصل بما سبق ذلك اللفظ الإعلامي المثار حول خبر دعوة رؤساء تحرير الصحف القومية، ومندوبي الصحف والوكالات إلي مقر رئاسة الجمهورية لأمر مهم، وذهابهم إلي المكان المحدد، ثم قضائهم هناك بعض الوقت وصرفهم بعد ذلك، دون أن يقال لهم ما هذا الشيء المهم؟ ولأن الرئيس مبارك كان قد اجتمع مع المشير طنطاوي - وزير الدفاع - قبل 24 ساعة من اللقاء، فقد راجت تكهنات حول ترشيحه نائباً لرئيس الجمهورية، وهو مالم يؤكده أحد، وإذا صح ذلك كله فإنه يفتح الباب لترجيح وتصديق الأحاديث التي أشارت إلي أن مستقبل الحكم في مصر محل بحث هذه الأيام، وأن الخلاف حوله مما يتعذر إنكاره أو إخفاؤه.
لا شيء من كل ذلك يمكن الجزم بصحته، الأمر الذي يعني أن مستقبل البلد تحدده دوائر محدودة ومغلقة علي أناس بعينهم، ولا شأن لأهل البلد به - ولا غرابة في ظل ذلك التعتيم أن تنتشر الشائعات وتستمر التكهنات، ويظل أهل القرار في واد، والمجتمع كله في واد آخر وذلك شأن الرعايا في كل مكان، الذين ينبغي أن يناضلوا لكي يصبحوا مواطنين يصنعون مستقبلهم وأخبارهم بأيديهم، ولا يقرأون عنها فقط في الصحف.