الأمم المتحدة تعرف أن التعذيب في مصر سياسة دولة وليس مجرد تصرفات فردية من ضباط الداخلية
جاسر عبد الرازق مدير العلاقات الإقليمية في منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الإنسان، وضع أيدينا على عدة نقاط مهمة، منها أن حصول مصر على عضوية المجلس العالمي لحقوق الإنسان تم في إطار الاتفاقات والمواءمات السياسية وليس لأن مصر دولة تحترم حقوق الإنسان... وأن التعذيب في مصر ليس مجرد تصرفات فردية من جانب بعض الضباط المتهورين بل إنه أوضح لنا أن العالم كله يعرف السجل الأسود للنظام الحالي في مجال انتهاك حقوق الإنسان.
ترصدون وتقيمون حال حقوق الإنسان في مصر ونحن في منتصف عام 2007؟
لا نستطيع أن نرى عام 2007 بعيدا عما حدث في مصر منذ 2003 بعيدا عما حدث في مصر منذ 2003 و2004 مرورا بأحداث 2005 و2006 وبذلك نستطيع أن نقول إن حالة حقوق الإنسان في مصر وبشكل مجرد تشير إلى استمرار لنمط الانتهاكات المعتاد في مصر من أول الاعتقالات تتم للقوى السياسية وتحديدا الإخوان المسلمين مرورا باستمرار أشكال التعذيب وإساءة المعاملة في أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز في ظل هذا كله وبشكل عام لا نستطيع أن نرصد أي تطورات إيجابية في عام 2007 عن الأعوام السابقة كما أننا إذا نظرنا إلى الآمال والتوقعات التي كانت لدى أناس كثيرين في 2004 و 2005 في ظل التعهدات التي أعلنها الحزب الوطني الحاكم حول الإصلاح السياسي والتعديلات الدستورية والتشريعية، بالإضافة إلى الوعود الخاصة باستقلال القضاء وحق تكوين الأحزاب والإدعاء بوضع حقوق الإنسان على قائمة الأولويات الخاصة بالحزب، وترشيح الرئيس مبارك في انتخابات 2005 فإنه يمكن القول إن عامي 2006 و2007 كانا عامين في غاية السوء.
هل يعني هذا لكم أنكم تتوقعون زيادة الانتهاكات وأن الأيام المقبلة أسوأ بالنسبة لحقوق الإنسان في مصر؟
هناك صعوبة في النظر لقضية حقوق الإنسان بشكل كمي، بمعنى أننا لو رصدنا هذا العام 100 حالة انتهاك والسنة المقبلة رصدنا 50 حالة فهذا لا يعني أن هناك تحسنا أو العكس لا يعني أن الوضع يسوء وذلك لعدة أسباب منها أن عمليات الرصد التي تتم تكون لجزء من الانتهاكات التي تتوصل إليها سواء المؤسسات الدولة أو المؤسسات المحلية، وبالتالي هناك صعوبة لنقول إن هناك تحسنا استنادا إلى العدد الكمي للانتهاكات التي تم رصدها الأهم –من وجهة نظري- على الأقل هو السياسات التي تنتهج هذا النوع من الممارسات.
هل تقصد أن الانتهاكات التي تحدث في مصر جزء من سياسة الدولة؟
بسهولة نستطيع أن نقول إن التوصيات الصادرة من مؤسسات دولية أو محلية أو تلك التي وجهت من الأمم المتحدة للحكومة المصرية الخاصة بالانتهاكات التي تحدث فإن الاستجابة لها كانت محدودة جدا لم تكن منعدمة، ولو أخذنا على سبيل المثال قضية التعذيب، فالمنظمات المصرية وتحديدا المنظمة المصرية لحقوق الإنسان منذ التسعينات كانت لها توصيات ومطالب محددة فيما يخص هذه القضية، وكانت متعلقة بشكل مبدئي بتعديل تعريف جريمة التعذيب في قانون العقوبات المصرية، خاصة أن التعريف الحالي قاصر، ونعتبره أحد أسباب انتشار ظاهرة التعذيب، لأن التعريف يتكلم عن التعذيب الذي يقع على المتهم بهدف حثه على الاعتراف والتعريف هنا قاصر لأن واقع الأمر أن عددا كبيرا ممن يتعرضون للتعذيب ليسوا متهمين وليس مطلوبا منهم أن يعترفوا بارتكاب جريمة معينة، والقضايا التي سمعنا عنها في الشهور الأخيرة خير دليل على ذلك وهو أن الناس لا ترتكب أي جريمة ويتم تعذيبهم وأن التعذيب هنا يكون لأمور مختلفة منها مثلا أن الضابط يضرب سواق ميكروباص علشان يعلمه الأدب، وإزاي موقف لميكروباص يمشي عدل، ويضرب مواطن علشان يحرم يرفع عينه في الضابط، هذه النماذج تحدث مما يجمل تعريف التعذيب في القانون قاصرا وشبه مستحيل، والتعذيب أصبح منتشرا ويحدث في أي قسم أو نقطة شرطة وأي قرية في مصر يحدث بها تعذيب.
من خلال عمدكم هل تغيرت الفئات التي كنتم تتوقعون تعرضها لسوء معاملة أو تعذيب في السنوات الأخيرة؟
من عشر سنوات بشكل أو بأخر كنا نستطيع أن نضع نمطا للأشخاص المحتمل تعرضهم للتعذيب ووقتها كان الأعضاء المنتمون للتيار الإسلامي أكثر عرضه للتعذيب سواء المنتمين للجماعات الإسلامية أو الجهاد، وبالتالي كنا نستطيع أن نقول إن أعضاء هذه التنظيمات أو المتعاطين معهم أو من نطلق عليهم أصحاب الحظ السيئ ويتواجدون بأماكن تواجد هذه التنظيمات فهم عرضة لهذا النوع من الانتهاكات وذلك نتيجة للحملات الأمنية التي كانت تتم من وقت لآخر على "الجوامع" ومراكز الشباب والمناطق التي يتجمعون بها، وطبعا كان نتيجة الاعتقالات العشوائية التي تحدث ففي الأغلب يتعرضون للتعذيب ووقتها كان هؤلاء يشكلون نمط الأشخاص المحتمل تعرضهم للتعذيب النموذج الثاني هو النموذج الذي يرويه الضباط بأنفسهم فهم يقولون مثلا "إذا حدثت سرقة فلديه بالقسم مسجل "10" أسماء لسارقين يقوم بإحضارهم وضربهم حتى يعترف أحدهم بارتكاب السرقة أو يدل على شخص آخر، فيحضر هذا الشخص ويقوم بضربه حتى يعترف بالسرقة وطبعا هذا العمل الذي تقوم به الشرطة هو النموذج الأساسي لعمل التحريات الجنائية في مصر، أما ما يحدث في الوقت الحالي فقد تجاوز هذه المرحلة، فمن الناحية النوعية هناك أشكال جديدة من أشكال الانتهاكات التي تحدث ولم يعد يشفع لأحد طبقته الاجتماعية أو مستوى تعليمة أو المنطقة التي يعيش فيها، وزمان كانت الانتهاكات مرتبة بأن الشخص "غلبان" وكان هذا –الغلب- أحد العوامل التي كانت ترجح احتمالية تعرض الشخص للتعذيب أو لا يتعرض، وفي حالات كثيرة من تلك التي تم رصدها في الفترة الأخيرة، حتى هذا النمط لم يكن ينطبق فهم ينتمون إلى الطبقة المتوسطة ومتعلمون وطلبة معاهد وجامعات وموظفون وتعرضوا للتعذيب، وهو ما برز في الاعتقالات الأخيرة التي تمت بين عامي 2002 و 2006 والمرتبطة بمناهضة الحرب ودعم الانتفاضة ودعم القضاة، ومن تمم القبض عليه في هذه الأحداث لا ينطبق عليهم نمط الأشخاص المتوقع تعرضهم للتعذيب إذا وقعوا تحت أي نوع من أنواع الاحتجاز وهو ما يعني أن هناك نقلة نوعية في نوعية المحتمل تعرضهم للتعذيب في مصر.
هل هذا يعني أن الانتهاكات أصبحت جزءا من سياسة الدولة؟
فيما يخص التعذيب وبالتحديد في عام 1996 المقرر الخاص المعنى بالتعذيب في الأمم المتحدة قال في تقريره عن مصر إنه توصل إلى استنتاج يؤكد أن التعذيب في مصر ليس جريمة فردية يقوم بها أحد الضباط ولكنها سياسة تطبقها الدولة، وقال إن سياسة النظام في مصر تقوم على التعذيب وهذا الرأي لم يتغير من عامي 96 وحتى الآن، وإذا كان هناك تغير حدث فهو التغير النوعي الذي يثبت ويؤكد أنها سياسة دولة وأن التحريات الجنائية كلها قائمة على التعذيب، وجزء كبير جدا من الضغط الذي يمارس على القوى السياسية في مصر قائم على الإهانة وسوء معاملة المحتجزين من الحركات السياسية.
لكن موقف الأمم المتحدة هذا تبدد بعد الدعم الذي قدم لمصر فيما يخص عضويتها بمجلس حقوق الإنسان؟
بعيدا عن الحديث عن مصر تحديدا، فإن النظام الدولي هو نظام دول الأمم المتحدة مؤسسة تضم الدول الموجودة بالعالم، وللأسف باستثناء نظام المقررين الخاصين بالأمم المتحدة، وهم باحثون مستقلون، فإن باقي آليات الأمم المتحدة تقوم على أشخاص ترشحهم دول وتنتخبهم دول،نفس الشيء بمجلس حقوق الإنسان فإن تقسيم المجلس لأقاليم يجعل أغلب الدول الموجودة في بعض الأقاليم من الدول التي تنتهك حقوق الإنسان منهجي وعلى المجلس أن يختار، وفي حالة مصر فهي ضمن تقسيم شمال أفريقيا والذي يضم ليبيا وتونس والمغرب والجزائر وموريتانيا وفي لانهاية الاختيار صعب، لكن مصر لم تنتخب في المجلس لأنها فازت بالتزكية لأنها كانت المرشح الوحيد، وهذا يعني أن النظام الدولي في حد ذاته به مشاكل لكن بنظرة متفائلة فإن الحكومة المصرية قدمت مجموعة من التعهدات حول وضعية حقوق الإنسان، كانت في مجملها تشير إلى اتجاه للإصلاح ونحن نرى أنها فرصة بالنسبة لنا كمؤسسة دولية وكذلك بالنسبة للمؤسسات المحلية أن نعمل في اتجاه الضغط لتنفيذ جزء من هذه التعهدات.
هناك تساؤلا حول أسباب الاهتمام المتزايد من قبل "هيومن رايتس ووتش" بمصر في الفترة الأخيرة.
مصر بالنسبة لنا تمثل أولوية باعتبارها دولة مهمة في المنطقة لها تأثير واسع خارج حدودها الجغرافية وهناك اهتمام خاص بها ويحدث أنه في أوقات تبرز أعداد كثيرة من القضايا التي نجد أنه من الضروري أن نشتبك معها ونتعامل معها بشكل حقوقي، وهو ما يحدث في مصر في الفترة الأخيرة مثل محاكمات الإخوان وإحالتهم للمحاكمات العسكرية، والتي تحدث في ظروف مختلفة عن طبيعة المحاكمات التي حدثت من قبل مع قياديين آخرين داخل الجماعة منذ محاكمات 95 حتى الآن، بالإضافة إلى خصوصية هذه المحاكمات والتي تأتي بعد تبرئة نفس الأشخاص من محكمة الجنايات المدنية التي جاء بعدها قرار إحالتهم للمحاكمات أمام محكمة عسكرية في ظروف خاصة ونحن في "الووتش" لنا موقف معلن من المحاكمات العسكرية وهو موقف معلن من المحاكمات العسكرية وهو موقف متفق عليه بين المنظمات الدولية والمحلية هو أن هذه المحاكمات لا تتوافق والمعايير الدولية الخاصة بالمحاكمة العادلة أو المنصفة وبالتالي جاء الاهتمام بالمحاكم العسكرية وما حدث مع الإخوان المسلمين فرض علينا اهتمام متزايد بالمحاكم العسكرية.
كيف تفسرون إحالة قضية الإخوان لمحكمة عسكرية رغم تبرئتهم في محكمة الجنايات؟
نقل القضية مؤشرا على وجود نية للتنكيل بقيادات الجماعة، نحن ننظر للمحاكم العسكرية باعتبارها محاكم غير مستقلة فمن يحكم فيها ضابط جيش خاضع للترقية ويحصل على مكافأة ومن جهة أخرى فهو ليس قاضيا بالمعنى المقصود للكلمة أي الاستقلال والحياد فالقاضي العسكري ليس مستقلا وغير محايد فلديه مدير بالمعنى المهني وهو وزير الدفاع فهو مدير هذا القاضي العسكري وبالتالي هناك قدرة واسعة للنظام السياسي للتأثير في الأحكام، وهي قدرة غير موجودة في المحاكم الجنائية المدنية.
كيف ترون التعديلات الأخيرة على قانون القضاء العسكري الخاص بإنشاء محكمة نقض عسكرية؟
بغض النظر عن الإجراءات في جميع الحالات المحكمة العسكرية يجب أن يكون اختصاصها هو العسكريين والجرائم العسكرية المتعلقة بالجيش وما عدا ذلك ليس لها اختصاص به سواء أصبحت على درجتين أو ثلاث فهي في النهاية لا يمكن أن تكون محكمة تتمتع بالاستقلالية والحيدة المطلوبين للتعامل مع القضايا العادية، وإذا افترضنا أن قضية الإخوان ليست قضية سياسية وأنها قضية جنائية عادية فإنه من المستحيل التعامل معها بشكل عادل
ما هو تقييمكم لقرار الحكومة بعدم السماح لكم بمراقبة محاكمة الإخوان المسلمين؟
في البداية يجب أن أوضح أننا راقبنا قبل ذلك محاكمات عديدة كما حضرت منظمة العفو عددا من المحاكمات بشكل رسمي، بالإضافة إلى حضور منظمات محلية بانتظام لقضايا عديدة، أتصور أن منعنا من مراقبة المحاكمة سببه خصوصية القضية، خاصة أن المحاكمين حصلوا بالفعل على البراءة من محكمة الجنايات وبالتالي من السهل إثبات الفروقات بين المحكمتين المنع الذي تم يعتبر انتهاكا للدستور المصري الخاصة بعلانية المحاكمة إلا في حالات محدودة ولأسباب وشروط معقدة يرى القاضي أن المحكمة لازم تكون مغلقة أو سرية وهو ما لم يحدث في محاكمة الإخوان، لكن ما حدث هو أن الأمن هو الذي منعنا من الحضور وليس القاضي وهو انتهاك يضاف لسلسلة الانتهاكات الخاصة بمحاكمات الإخوان الأخيرة.
ما تفسيركم لإصرار النظام المصري على التنكيل بالإخوان من خلال إحالتهم لمحكمة أستثنائية؟
نتصور أن هناك عدة أسباب منها النجاح الذي حققه الإخوان في انتخابات 2005؟ وحصولهم على نسبة 20% من مقاعد المجلس عملا شكلا من أشكال (الخبطة) داخل النظام والحكومة خلق حالة من الاستهداف لقيادات الجماعة وتم استخدام أسلوب جديد وهو نوعية الاتهامات فلم يعد الانتماء لجماعة محظورة كافيا فتم استحداث تهم مثل غسيل الأموال بمعنى أن النظام قام بتوسيع دائرة الاتهامات من عضوية جماعة محظورة والسعي لقلب نظام الحكم وهي الاتهامات التقليدية التي كانت توجه للإخوان عادة من 95 حتى الآن وبدأ النظام يستخدم تهما غير سياسية بطبيعتها وحول المواجهة إلى صراع "تحت الترابيزة" وبالتالي أصبح من غير المضمون استخدام محكمة مدنية عادية أو محكمة أمن دولة طوارئ لأنه غير قادر على ضمان القاضي الذي سينظر القضية رغم الإمكانية البسيطة بالتأثير في تحديد من ينظر هذا النوع من القضايا وببساطة يمكن أن نقول أن الفترة التي حدث فيها توقف في الإحالة للمحاكمات العسكرية كانت بمثابة هدنة بين النظام والإخوان
ما هو تقييمكم في "الووتش" للتعديلات الدستورية والتشريعية الأخيرة في مصر ومدى توافقها والتزامات مصر الدولية؟
حسب قرائتنا لمجمل التعديلات الأخيرة فإنها تسير في اتجاه سلبي ، ولو نظرنا للمادة 179 تحديدا فإنها تؤسس لسابقة لم تحدث في تاريخ الدستور المصري وهي وجود مادة بالدستور تعطل مواد دستورية أخرى، وهذه المادة تعطل مواد الحقوق والحريات بالدستور وهذا التعديل يعني أن الاتجاه الذي تسير فيه الحكومة المصرية يتجه نحو التقييد ونحن متخوفون من قانون الإرهاب الذي يتم إعداد
1 تعليق :
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
هذه المدونة جديدة انتلقت امس للمناداة بحرية الطلاب و عدم الاعتقال و نرجو توجيهات حضراتكم إن أمكن نسال الله ان يفرج عن كل اسرانا من الاخوان
http://free4talaba.blogspot.com/