إلى أبطال مصر الشرفاء
مَـرّةً بعد مرة ، نتعلم من أبطالنا دروس الخُلق العالي، وفقه الكبرياء والتضحية المستبسلة.
مرة بعد مـرة، يدرك العالَم أن أبطال الشرق لا يستخفّون بأمانتهم، ولا يداهنون في طريق أدائها، فمن ظن أنهم أسقطوا عن كاهلهم عبء الأمانة فقد أخطأ، ومن ظن أنهم جعلوها سلعة تُشترى وتباع فقد حاف وظلم.
مساكين هؤلاء الماديون، لقد ضلوا ضلالا بعيدا حين ظنوا أن بمُكنتهم تركيع الأبطال ترغيبا وترهيبا، هؤلاء البؤساء ينبغي أن يتعلموا من أبطالنا فقه الحكمة لأعمال الحكمة، يجب أن يوقنوا من كبرياء عزتكم فقه الروح لأعمال الروح.
فما تلك القصور التي يسكنونها، ولا هذه الدور التي يعمرونها، إلا ألوانا وأصباغا لا تستطيع تبديل الحقائق، ولا شراء الذمم، ولا إطفاء نور البطولات.
نقول لكل من زيّنت له نفسُه الكاذبةُ أعمالَه، فظلم وبغى، إن الأرض لا تحمل على ظهرها أسمج وجها، ولا أصلب خدا، من جهلة الماديين، ووضاعة السادة المستكبرين.
إن التاريخ يعيد نفسه، لقد عرض مشركو العرب قديما على قائد المسيرة - عليه السلام – كل هذه العروض التافهة، فماذا قال عليه السلام ؟
قال: [ والله يا عمّ: لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر حتى يُظهره اللهُ أو أهلك فيه ما تركته ]
فلم يساوم النبي في دينه ولا رسالته حتى لو كان في أحرج المواقف، إن المساومة هنا معناها الالتقاء في منتصف الطريق كما يفعلون في التجارة، وهناك فرق بين العقيدة والتجارة، العقيدة هي الحق الثابت التي لا يتغير ولا يتلون، والتجارة مالٌ يأتي ويروح، فهيهات أن يعمّموا مبدأ النفعية في حياة المؤمنين، أو أن يخدعوا بها الأبطال الصابرين.
* * *
إنها الحياة التي انتقلت على طبيعتها، لكنا لا نيأس ولا نبتئس:
هـي الأيـامُ والغِـيَـرُ وأمْــرُ الله يُنـتَـظَـرُ
أتيأس أن تـرى فرجـا فأيـن اللهُ والـقَــدرُ ؟!
أعلمُ أن الظلم أفحش مما يتصور البشر، فهو فوق كل تعبير ومقال، بل فوق كل تصوّر وخيال، إنه بشعٌ في حقيقته، مهُولٌ في عاقبته، لا يكاد البشر يعرفون شيئا أجلب للشقاء، وأنفى للاطمئنان، وأبعد للسكينة، من الظلم والظالمين، هؤلاء الذين يَحْطِمون بيتا ليربحوا حجرا، وما هم برابحين من شيء، فلكل ظالمٍ نهاية مهما استطال وبغى، ولكلِّ غادرٍ راية وإن طال المدى:
إلى ديّان يوم الديـن نمضي وعند اللّه تجتمـعُ الخصـومُ
ستعلم في الحساب إذا التقينا غدا عنـد الإله مـن الملـومُ
* * *
أيها الكرام الشرفاء..
إن الله وعدكم بالنصر ووعدتموه بالصبر، فأنجزوا وعدَكم ينجزْ لكم وعده.
يا من أرى "الخيرات" جداول بين أفنانِهم، و"البِشْر" باسما على ثغورِهم، و"الضياء" نورا في أحداقهم، لا تحدثوا أنفسكم بالهجرة والفرار، فوالله إن فررتم لا تفرون إلا عن عِرض لا يجد له حاميا، وشرفٍ لا يجد له مدافعا، ودين يشكوا إلى الله قوما أضاعوه، وأنصارا خذلوه.
يا من أرى "الخيرات" جداول بين أفنانِهم، و"البِشْر" باسما على ثغورِهم، و"الضياء" نورا في أحداقهم، لا تحدثوا أنفسكم بالهجرة والفرار، فوالله إن فررتم لا تفرون إلا عن عِرض لا يجد له حاميا، وشرفٍ لا يجد له مدافعا، ودين يشكوا إلى الله قوما أضاعوه، وأنصارا خذلوه.
لقد اختاركم القدر الأعلى لتكونوا الحُماةَ المنافحين عن حريتنا وكرامتنا، وأنزلكم منازلَ العظماء، فلا تطلبوا المنزلة بين المنزلتين، ولا الواسطة بين الطرفين، فافتدوا أنفسكم بجولة تجولونها في سبيل الله، فوالله ما عاش ذليل ولا مات كريم.
هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا تحرر القدس، وأنتم الأمل المتجدد، وهذا يومكم الذي له ما بعده، فلا تُسلموا أعناقكم إلى التافهين البائسين، فإنكم إن فعلتم وكَلَكم الله لأنفسكم، وتركتم مَن وراءكم حيارى فوق كل أرض وتحت كل سماء، لا يرون في صفحة السماء نَجما لامعا، ولا كوكبا طالعا.
انظروا إلى آثار رحمة الله، لقد أرادوكم خلف القضبان لتكونوا خلف أنظار الناس ودبر قلوبهم، فأمسيتم في معترك أسماع الناس وأفهامهم، حتى ملكتم عليهم قلوبهم، لقد أخزاهم الله وضربهم بالخذلان ضربةً، لو نالت من السماوات والأرضَ لأشفقن منها.
ثقـوا في يوم قريب، تتبختر الحقيقة فيه اتضاحا، ويتوارى الكذب فيه افتضاحا، ثم في يوم آخر أهول مما يظنون، يومٌ تجفّ فيه حلوق الذئاب، وتذهب فيه أصباغ الثياب، فلا يبقى إلا صنفان، صنف فرحٌ طروب يصيح: ( هَاؤم اقرؤوا كِتَابِيه.إِني ظننت أَني مُلاقٍ حِسَابِيه.فَهو فِي عِيشةٍ راضِيَة )
وآخر يستفيق من غَشيته ليقول: ( يا ليتَنِي لم أوت كِتابيهْ.وَلَم أَدر ما حِسَابِيه.يا ليتها كانت القاضِيَة.ما أَغنى عَني مالِيه.هلك عني سلطانيه )
يا أبطال مصـر - يا مَن ركلتم الدنيا ولم تعبئوا بإقبال ولا إدبار، وبددتم ظلمات الليل وفضحتم رابَعةَ النهار– لا تضنّوا على المخادعين بمَذْقـةٍ من ظلكم الظليل، ولا تحرموا التعساء نفحةً من نفحاتكم العطرة، فشرفكم كالمصباح تستمد منه القناديل، وعزكم نور يهتك ظلمات السادة المتألهين.
قولوا للمتكبرين: إن استطعتم أن تغلبونا على أموالنا فلن تغلبونا على نفوسنا، وإن استطعتم أن تقهرونا في أبداننا فلن تقهرونا على أرواحنا، أيها السجن كُـن ما شئت، لن نساوم ولن نبدل ولن نستسلم.
فما الحبسُ مهانةٍ لذوي العُـلا لكنـه كالغيــلِ للآســادِ
قولوا للعالمين: نحن لا ندع مجالاً لليأس، لأنكم تفهمون بعمق قول الله تعالى: ( يقلّبُ الله الليل والنهار إن في ذلك لَعبرَةً لأُولى الأبصار )
فإن النجوم والكواكب تجرى في أفلاكها، وتطلع في مواقيتها، ونعلم من حركتها الماضية، كيف تكون حركتها التالية، ومتى تشرق ومتى تغيب، ولن تجرى حركة التاريخ الإنساني على غير هذا النسق، فمهما اشتد ظلام الليل فلابد من طلوع فجر جديد، ومهما ترادفت الفتن فلابد أن يعقبها صبح عريض، إنها الصَيرورة التاريخية، ظلم واعتساف، ثم بطولة واستبسال، ثم تمكين وإعـزاز.
* * *
إن الموجود في الحياة غير الموجود في الكتب، وقصص الفضائل ونوادر المروءات، إنما هي روايات لا تُكتب لها الحياة إلا بنماذج وتضحيات، وأنتم النموذج وأنتم التضحية، فما أجملَ الفضيلة، وما أعذبَ مذاقَها، إذا تجسدت في شُخوصٍ يمشون على الأرض، وأنتم والله أهلها المنافحين عنها، المضحّين في سبيلها، القابضين على جَمرها.
حماكم الله ، آواكم الله ، أيدكم الله ، أنتم أملُنا، وأنتم فخرُنا، كذاكَ الفخرُ يا هِمَـمَ الرجالِ، تعالي فانظري أين التعالـي.
أسامة المهندس
Labels: أدب السجون
1 تعليق :
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
كان الله فى عون كل مظلوم
وبالرغم من الظلم الذى يلاقونه
الا انهم صابرون
ليس بأى صبر بل الصبر الجميل
وان شاء الله سترفع الامه بعزتهم وكرامتهم
وصبرهم
فما مشاقهم فى الدنيا الا برضاء من الله
ان شاء الله
اعانهم الله
فهم رجال وهم لها