مدونات ضد المحاكمات : الحرية لمدحت الحداد | الحرية لعصام حشيش | الحرية للدكتور بشر | الحرية لضياء فرحات | الحرية لخيرت الشاطر | الحرية لحسن مالك


نسمع كثيرًا عن الإصلاح وكل مترادفات ومتلازمات هذا المعنى والمضمون الكبير، وهو لازمة من لوازم وواجبات النجاح، وإيجاد مكان لقدم وموضع وسط هذه التقدمات من حولنا، في كل الميادين والنواحي، ويُفترَض أنه من الأهداف العليا لأي دولة، ويقوم على تحقيقه خبراء ومتخصصون، وينفق عليه الآلاف بل الملايين ومنذ الربع قرن الأخير على الأقل.



ونحن دائمو الاستماع عن السير في اتجاه الإصلاح في كلِّ النواحي- ولربما وللإنصاف- تحقق منه شيء، لكن الشيء الأهم والأخطر أنه لم يتحقق في العنصر البشري في الأفراد- اللبنات الأولى والحقيقية والصحة لأي إصلاح- والذي تحقق بصورةٍ معكوسة سلبية، فرأينا فسادًا طال وبلغ كل شيء.


وأول هذا الشيء العنصر البشري، وها هي أركان العملية الاقتصادية (زراعة- تجارة- صناعة- سياحة) نرى ما حدث، ويحدث لكلِّ ركنٍ فيها بصورةٍ أعجزت حتى مَن تسببوا في فسادها عن أي إصلاح في هذه الجوانب البداية الحقيقية والصحيحة والحق الكامل أن يكون الإصلاح أول ما يكون في العنصر البشري، في الأفراد ويكون معنويًّا وروحيًّا قبل أن يكون ماديًّا فقط؛ لأنه إذا وجد الفرد الصحيح السليم وجدت معه أسباب النجاح جميعًا العنصر البشري الذي نمت عنده، وعلت معاني المراقبة لله- عز وجل- أولاً قبل مراقبة الأجهزة والمراقبين.



العنصر البشري الذي يشرف به الموقع والمكان والمنصب، ولا يشرف هو بها فهو تبوَّأ المنصب بإصلاحه وخبرته وكفاءته قبل نسبه أو علاقاته وبعيدًا عن توجهه وعقيدته.
العنصر البشري الذي علا عنده الواجب على الحقِّ وتربَّى على الوطنية الحقيقية للأمة لا للحزب.


إن بناء المدارس والمصانع وغيرها سهل يسير إنما الصعب العسير بناء الرجال والأفراد والمشكلة الحقيقية عندنا ليست في قلة موارد ولا إمكانيات، إنما في ندرةٍ شديدةٍ في الأفراد الصالحين، فكم من صروحٍ وقلاعٍ تحوَّلت إلى أطلالٍ ودمار بمَن تولوا أمرها وأداروها، وكم من بناياتٍ متواضعةٍ تحولت إلى صروحٍ وقلاعٍ بأهل الخبرة والكفاءة، وقبل ذلك الإصلاح الذاتي الداخلي!!

فيا ترى الآن مَن يقوم بهذا الأمر- الإصلاح بمعناه الحقيقي الشامل- الذي يبدأ أول ما يبدأ بالأفراد، مَن يقوم بإعداد الفرد بالمؤسسية لا الفردية، فالفرد جزءٌ من كل، ولا يوجد ولن يوجد الفرد الذي هو على كل شيء قدير، والذي يفهم في كل شيء، ويعرف كل شيء.

مَن يقوم بإعداد الأفراد على قاعدة أن الناس جميعًا مهما علت مكانتهم أو درجاتهم متساوون، فلا مجالَ لأي استثناءٍ مهما ضد حجمه؛ لأنه بالوقت سيتحول إلى أصل! ولا مجالَ لأي تجاوزٍ ولو صغير؛ لأنه بالوقت سيتحول إلى استبداد وطغيان.


نرى البداية الحقيقية للإصلاح المنشود، والذي يبدأ بإصلاح الأفراد يبدأ من خلال أدوار عديدة لكل المؤسسات العاملة في مجالات التنمية البشرية، ومن أهمها:

1- مؤسسة الفرد: فهل يبدأ كل فرد مخلص غيور حر يريد الخير لنفسه ولأمته ووطنه بإصلاح وتنمية نفسه- بكل الوسائل الممكنة والمتاحة- بقدر الاستطاعة مستخدمًا كل ما يُتاح من أدوات ووسائل عصرية بادئًا بجوانبه الذاتية والروحية، واقفًا عند الحدود التي وضعها خالقه سبحانه وتعالى.


2- مؤسسة الأسرة: فهل ينتبه كل رب أسرة أو ربة أسرة أن البناء الحقيقي في الأولاد يكون ببناء الفكر والشخصية قبل بناء الجسد، بناء إصلاحي يقوم العصامية والتميز، ويكون هذا البناء هو المناخ العام في داخل الأسرة حتى وإن احتاج الأب والأم إلى شيء من الدراسة والتدريب والتعليم فيقدم هذا الاحتياج على غيره، وهل يبدأ الوالدان بإعطاء القدوة من أنفسهم قولاً وعملاً وصلاحًا.

3- مؤسسات المجتمع المدني: وخاصةً المعنية بالإصلاح والتنمية، وألا يقف مفهوم التنمية عندها عند التنمية العمرانية أو الاقتصادية فقط، إنما تنمية وإصلاح وبناء الأفراد على كل قيمةٍ وخلقٍ فاضلٍ، وتتولَّى هذه المؤسسات البحث عن أماكن تدريب لهؤلاء الأفراد في الهيئات والمؤسسات والشركات الكبرى، ولو بأجرٍ رمزي أو بدون أجر، وتُصرَف لهم هذه المؤسسات من ميزانيتها بدل انتقال أو مواصلات، فلربما تجد هذه الهيئات والمؤسسات مَن كانت تبحث عنهم وتنشدهم في هؤلاء المتدربين، ومن هذه المؤسسات:

أ- النقابات المهنية: هل تقوم كل نقابة باستيعاب أبنائها والقيام بجزءٍ من هذه العملية الإصلاحية والتنموية حتى ولو خصصت جزءًا من بنود الصرف على هذا الباب، ولنبدأ بالنقابات التي لم يصبها داء ومرض فرض الحراسة، ونأمل أن تُرفع الحراسة عن باقي النقابات.

ب- النوادي الاجتماعية والرياضية الكبرى بالعواصم والمحافظات: عليها أن تتولى هذا الجانب من الخدمات التي تُقدمها وتوليها اهتمامًا بالغًا، مستعينةً في ذلك بالخبراء والمصلحين والمتخصصين.

ج- المؤسسات التعليمية الخاصة (مدارس وجامعات).

د- هل يُستفاد من كثرة انتشار مراكز التنمية البشرية والاستشارات الإنسانية، وخاصةً الأهلية في تعميم ونشر روح الإصلاح البشري الذي يؤدي إلى التنمية والنهضة والبناء.. فما تأخَّر مَن بدأ.

0 التعليقات :

أضف تعليقك