مدونات ضد المحاكمات : الحرية لمدحت الحداد | الحرية لعصام حشيش | الحرية للدكتور بشر | الحرية لضياء فرحات | الحرية لخيرت الشاطر | الحرية لحسن مالك


العرب القطرية :
أنا لست من أنصار الإخوان المسلمين، وسبق أن أثرت تساؤلات بشأن مدى التزامهم بالإصلاحات السياسية في عدد من مقالاتي التي نشرتها في صحف تصدر بالإنجليزية والعربية. لكن ما أثار دهشتي، وربما انزعاجي أيضا، قيام الجماعة بنشر مقالاتي تلك في الموقع الإلكتروني الخاص بها باللغة الإنجليزية (www.ikhwanweb.com).

وكانت مقالاتي تتضمن انتقادات للمرشد الأعلى لجماعة الإخوان، مهدي عاكف، وكذلك للسياسات العامة لجماعة الإخوان المسلمين. كما نشروا مقالات لي تنتقد النظام المصري والعقبات التي يضعها في طريق الديمقراطية والإصلاح.
ومن ثم، فقد صدمتني وأحزنتني أنباء قيام أجهزة الأمن في القاهرة باعتقال خالد حمزة سلام، رئيس التحرير المشارك للموقع الإلكتروني الخاص بالإخوان. ومن المثير للسخرية أن اعتقال حمزة (وهو الاسم الذي يعرف به) جاء بعد اجتماعه برئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان.

لقد كان حمزة واحدا من 222 شخصا ينتمون إلى جماعة الإخوان ممن اعتقلتهم الشرطة المصرية في القاهرة وخمس محافظات أخرى خلال الأسبوعين الأخيرين. ويقول المحللون السياسيون وقادة الإخوان إن تلك الاعتقالات تهدف إلى منع الجماعة من المشاركة بمرشحين في انتخابات المجالس البلدية في 8 أبريل المقبل، فالذين تم اعتقالهم هم إما ممن كانوا مرشحين في الانتخابات السابقة، أو أعضاء يمكن أن يديروا حملات انتخابية. ونشر الموقع الإلكتروني الخاص بجماعة الإخوان على شبكة الإنترنت (www.ikhwanonline.com) قائمة بأسماء أطباء ومدرسين وموظفين حكوميين وأساتذة جامعات من بين الذين اعتقلوا مؤخرا.

أريد أن أركز على اعتقال حمزة لأنه يُظهر جليا الإفلاس السياسي للنظام المصري. فهو رجل يدير موقعا على شبكة الإنترنت منفتح على مختلف الآراء، وهو بذلك نموذج المعارضة الذي تحتاجه مصر، ولا يفترض بالتالي أن يكون مكانه وراء القضبان!
ويوجد 400 عضو آخر من جماعة الإخوان في السجون ممن اعتقلوا سابقا، من بينهم 33 من الموظفين ورجال الأعمال الذين تم توقيفهم منذ ديسمبر 2006، وتجري محاكمتهم أمام محكمة عسكرية بتهم غسيل الأموال والإرهاب. ومن المتوقع صدور الأحكام بحقهم في 26 فبراير.

ويعتقد أصدقاء حمزة أن لتلك المحاكمات في المحكمة العسكرية علاقة باعتقاله، لأن الموقع الإخباري الالكتروني الذي يديره باللغة الإنجليزية كان ينشر باستمرار موضوعات تتعلق بتلك المحاكمات، ويثير اهتماما دوليا بالموضوع وإدانات لتلك المحاكمات.

لكن اعتقال حمزة لا يغير من حقيقة أن المحاكمات العسكرية لمدنيين هي انتهاك لحقوق الإنسان، وأن هذا الاعتقال لن يوقف التغطية الإعلامية لتلك المحاكمات، ولن يفشل في استجلاب إدانة المجتمع الدولي لسلوك النظام.

لطالما استخدم النظام المصري الإخوان المسلمين لبث الخوف بين حلفائه في الداخل وحلفائه الغربيين في الخارج. إذ يشير إلى الجماعة محذرا من أنها ستحول مصر إلى نظام إسلامي ما لم يواصل حلفاؤه في الداخل والخارج تقديم الدعم له. ومع ذلك فهذا النظام هو المسؤول عن خلق نفس الموقف الذي يحذر منه، لأنه أسكت منذ زمن بعيد جميع الأصوات المعارضة، وخاصة الليبرالية منها التي يمكن أن تكون بديلا عن الإخوان. ومن الجدير بالذكر هنا قصة السياسي الليبرالي أيمن نور الذي يقبع في السجن منذ سنتين نتيجة محاكمة ذات دوافع سياسية، هدفها القضاء على مستقبله السياسي.

وخدمة لغاياته السياسية، فإن النظام المصري يغض الطرف عن حقيقة كون الإخوان المسلمين ممنوعين رسميا من النشاط السياسي منذ عام 1954، إذ سمح للجماعة في عام 2005 بالتنافس العلني للحصول على مقاعد في انتخابات البرلمان، وعندما حققت نتائج ممتازة في الانتخابات –فهي الآن أكبر كتلة برلمانية معارضة ولها 88 مقعدا برلمانيا- أرسل النظام بقوى الأمن لتستخدم العنف والترويع من أجل إفشال آخر جولة انتخابية عام 2005، وقام بتأجيل انتخابات المجالس البلدية التي كان مفترضا أن تجري عام 2006.

والآن، ومن أجل منع جماعة الإخوان من المشاركة في انتخابات المجالس البلدية في 8 أبريل، اعتقلت الشرطة رموزا من الإخوان بتهمة انضمامهم إلى مجموعة محظورة، ومحاولتهم إحياء أنشطتها. ويجب أن نتذكر أن هذه الجماعة هي ذات الجماعة المحظورة التي سمح لها النظام بالمشاركة في انتخابات 2005.

فالنظام مذعور من احتمال تحقيق الإخوان المسلمين لنجاح كبير في الانتخابات البلدية، لأن أهمية المجالس البلدية ازدادت بعد التعديلات الدستورية عام 2005. ووفقا لتلك التعديلات، يحتاج المرشحون المستقلون لمنصب الرئيس إلى تأييد 65 عضوا منتخبا من مجلس الشعب، و25 عضوا من مجلس الشورى، و140 عضوا من المجالس البلدية. ورغم عدم امتلاك جماعة الإخوان لأي مقاعد في مجلس الشورى، فإن الجماعة تستطيع أن تفي بالشرط الأول، لأنها تمتلك 88 مقعدا في مجلس الشعب، وإذا ما جرت انتخابات 8 أبريل بطريقة حرة ونزيهة فستستطيع الجماعة أن تفي بالشرط الثالث، غير أن هذا أمر أصبح غير محتمل الحدوث الآن بسبب اعتقالات الأسبوعين الأخيرين. لكن الجماعة لا تملك الآن أي مقاعد في مجلس الشورى.

وبغض النظر عن رأي المرء بجماعة الإخوان المسلمين، يجب علينا إدانة اعتقال رموز المعارضة المتفتحين والمؤيدين لآراء الآخرين. فإذا أردنا تكوين معارضة ناجحة ومتنوعة في مصر، فيجب على الجميع إدانة اعتقال خالد حمزة سلام، لأن اعتقاله يمثل آخر محاولة لكبح حرية التعبير على يد نظام أدانته لجنة حماية الصحافيين لقمعه الإعلاميين في السنة الماضية.
إن من يريد منا لمصر أن تحترم حقوق الإنسان، فإن عليه أيضا أن يدين المحاكمات العسكرية للمدنيين، وحملات الاعتقالات الواسعة لرموز المعارضة الذين يعتقلون بدوافع سياسية. إن النظام المصري مخطئ إن ظن أنه سيجبر المصريين على الوقوف إلى جانبه ضد الإخوان المسلمين، فذلك خيار خاطئ، ويستحق المصريون أكثر من ذلك بكثير.

0 التعليقات :

أضف تعليقك