أبدت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان دهشتها من سَنِّ الحكومة المصرية لقانون الإرهاب، متسائلةً عن المستهدف من هذا القانون الجديد إذا كانت الظاهرة الإرهاب قد توقفت أو انحصرت من الأساس داخل جمهورية مصر العربية؟!، مؤكدةً التمسك بالإشراف القضائي السابق لكل إجراءات الضبط والمراقبة.
وأعلنت الفيدرالية- خلال مؤتمر صحفي عقدته- قيامها بتقديم مذكرة بشأن مكافحة الإرهاب واحترام حقوق الإنسان في مصر، منتقدةً تغيب أي ممثل للحكومة سواء في مؤتمر الفيدرالية أو في لقاءات لنادي القضاة.
وأوصت الفيدراليةُ السلطةَ التنفيذية في مصر وضع تعريف واضحٍ ودقيقٍ للإرهاب والجريمة الإرهابية؛ مؤكدةً أنه ينبغي على القانون الجديد لمكافحة الإرهاب أن يتضمن حظرًا واضحًا للتعذيب وسوء المعاملة، وكذلك حظرًا صريحًا للاحتجاز غير المشروع، وكفالة الإجراءات القانونية الواجبة للمشتبه بهم بتهمة الإرهاب وكفالة متطلبات المحاكمة العادلة، بالإضافة لضرورة وضع تعريف واضح لجريمة التحريض أو دعم الإرهاب وكفالة الحق في الخصوصية.
وفي هذا الإطار قال بهي الدين حسين مدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان: إن ظاهرة الإرهاب في مصر قد توقفت بالفعل بعد مذبحة الأقصر التي حدثت منذ 3 سنوات، والتي تعد آخر عملية إرهابية، مضيفًا أن ما حدث بعد ذلك كان عمليات محدودة تم الإعلان عن المسئول عنها في حينها، ولا توجد أي منظمات إرهابية في مصر حاليًا، حيث ‘ن المنظمتَيْن اللتين قامتا بالهجمات الإرهابية المعروفة في الثمانينات والتسعينات أعلنتا التوبة، وكتبتا كتبًا ومراجعات أثبتوا فيها توبتهم وتم ذلك بمباركة وموافقة الأمن.
وأوضح المستشار هشام البسطويسي نائب رئيس محكمة النقض أن هناك لقاءات موسعة تم عقدها لمناقشة قانون مكافحة الإرهاب في نادي القضاة، وقد حضرها قضاة وناشطون حقوقيون وخبراء منظمات المجتمع المدني، وممثلون لمختلف التيارات الفكرية والسياسية في مصر باستثناء الحزب الوطني!.
وأضاف أن هذه اللقاءات قد انتهت جميعًا إلى رفض مشروع قانون الإرهاب؛ لعدم حاجة مصر لمثل هذا القانون لعدة أسباب حصرها البسطاويسي في: أن مصر لا تعاني حاليًا من الإرهاب، وأن الجماعات المسلحة أعلنت المراجعات الفقهية وأدانت كل عمليات العنف في مصر وخارجها وأعلنت نبذ العنف، وأن وزارة الداخلية قد نسقت مع تلك الجماعات واستطاعت أن تعيدها للصواب من خلال الحوار وليس باستعمال القانون الجزائي أو قانون الطوارئ؛ هذا بالإضافة أن الإرهاب تم ممارسته لسنين طويلة في ظل حالة الطوارئ وحين انتهت هذه العمليات كان ذلك عن طريق الحوار وليس عن طريق قانون الطوارئ، مضيفا أن العنف والحوار المسلح هو نتيجة لضعف الديمقراطية.
وأكمل البسطاويسي قائلاً: من الأسباب أيضًا سيطرة فئة واحدة على الحياة السياسية بحيث لم يعد هناك مجال لأحزاب المعارضة لممارسة نشاطتها؛ لأنها لو فعلت فإنها تقع تحت طائلة قانون الطوارئ والإرهاب، وكذلك الحماية المفرطة ومحاصرة الحريات وغلق أبواب الأمل في الحوار الفكري هو الذي أفقد النص الشرعي احترامه لدى المطالبين بتنفيذه وبالتالي لم يلتزموا به، وكذلك الدولة أصبحت تجد حرجًا عند تنفيذه مما أدى للتطرف والعنف.
وأضاف: لأننا نعلم أن الحكومة تتركنا نقول ما نشاء ونفعل ما نشاء ثم تفعل هي ما تريده؛ لذا قررنا أن نقوم بإسداء النصح للحكومة.
وأكد أن هناك إشكالية دولية حول تعريف الإرهاب والجريمة الإرهابية، ولكن في مصر أصبح تعريف الإرهاب بأنه أي شخص يحاول التعدي على الحكومة؛ فأي شخص ينتقد الحكام يقع عليه هذا التعريف؛ وذلك لأن التعريف المنصوص عليه والوارد في الاتفاقية العربية هو تعريف فضفاض لا يحدد الإرهاب بدقة، وجاء على ذلك قيام المشرع بإضافة البنود إليه بحيث يضمن أن يقضي ذلك القانون على أي معارضة سياسية ويضعها تحت وصف الإرهاب.
وأوضح أن المادة 88 تعاني فساد الصياغة وركاكتها؛ لأنها تسعى إلى شيء غير الشيء الذي تكتبه، ولها قصد حقيقي بعيد عن مقصدها الظاهري؛ فهي كانت تعطي القضاة واجب الإشراف على الانتخابات ثم تم تعديلها لاستبعادهم، أما المادة 179 فقد عُدلت بحيث أصبحت تستبعد القضاة من الإشراف على الجريمة الإرهابية وإجراءات إثباتها وجمع الأدلة الخاصة بها؛ وبذلك فإن أغلب مواد الدستور تم تعديلها لإقصاء الرقابة القضائية وإفقادها استقلالها.
وأضاف أن الهدف من ذلك هو إضفاء الشرعية الإجرائية للقانون وتمهيدًا لإعطاء الحق لرئيس الجمهورية بإحالة قضايا قانون الإرهاب إلى المحاكم العسكرية، أو أي محاكم أخرى غير الطبيعية لها؛ بحيث تستثنى الجريمة الإرهابية من الرقابة القضائية السابقة الخاصة بإجراءات الضبط وجمع الأدلة وغيرها من الإجراءات السابقة على المحاكمة؛ وبذلك فهو قد استبعد القضاء العادي الطبيعي من الإشراف على المحاكمة وكذلك من الرقابة على الإجراءات السابقة لها، وهو ما يؤدي إلى عدم وجود أي ضمانات!!.
وقال البسطويسي: إنه لاحظ في كل التعريفات وحتى الدولية منها لكلمة إرهاب أو جريمة إرهابية أنها جميعًا خلت من وصف (مسلحة)، هذه الكلمة التي تميز الجريمة الإرهابية عن غيرها من جرائم العنف؛ فالتسليح هو الذي يعطي معنى الإرهاب بهدف تغيير أوضاع سياسية أو فكرية قائمة باستخدام السلاح.
وأكد أن القضاء في مصر كمؤسسة فقد استقلاليته ولكن هناك قضاة مصريون يحافظون على استقلاليتهم، وكان لابد للمشرع المصري البحث عن مخرج لهؤلاء القضاة سواء في الدستور أو القوانين التي يعدها للنفاذ منهم؛ ولذلك لجأ إلى صنع قضاء موازي لاستبعادهم نهائيًّا.
وقال حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان: إن أهم ما جذب انتباهه في المشروع المقدم حول قانون الإرهاب سريته، مؤكدًا أن هناك إصرارًا في الحفاظ على هذه السرية، مدللاً على ذلك بأنه قد تم نشر القانون في إحدى الصحف في صورة 16 مادة قيل إنها تشكل تصورًا مبدئيًّا، ثم تم تكذيبه فيما بعد من قِبَل السلطات والتبرؤ منه؛ ولا نعرف حتى الآن مواده كاملة، متسائلاً: لماذا كل هذه الظلال من السرية على هذا القانون؟!.
وأضاف أن تعديل المادة 179 واستثنائها للجريمة الإرهابية من تطبيقات مواد الدستور المصري التي تحدد ضمانات خاصة مثل: عدم جواز القبض أو الاستضافة أو تفتيش المنازل والسيارت والمكاتب بدون إذن من السلطات أو النيابة؛ هذا الاستثناء يفتح الباب على مصراعيه ضد الحريات الخاصة وحقوق الإنسان، مشيرًا إلى أنه بموجب هذا القانون الذي استثني من كل الضمانات وفقًا للمادة 179 أصبح مجرد توجيه اتهام أو إشارة أننا بصدد جريمة إرهابية يعني إسقاط كل الإجراءات القانونية الطبيعية وكل الضمانات التي تفرض شفافية عملية الضبط وجمع الأدلة وتوجيه الاتهام وإجراءات التحقيق؛ مما يعني أن المخالفة في الرأي أو الاتجاه السياسي أو التيار الفكري هو تجاوز للقانون بمجرد وضعه تحت عنوان "بصدد جريمة إرهابية"، ثم الإرسال لمحاكم خاصة وغير مدنية.
وأكد حافظ أن القاضي في المحاكم العسكرية لا يهتم بالجانب الإجرائي (إجراءات الضبط- أسلوب الضبط- التعذيب) والتي إذا شابها أي تدليس أو تجاوز فإن ذلك يعني بالضرورة إضفاء ظلال من الشك على كل ما جاء في القضية؛ لأنه جاء من خلال إجراءات باطلة؛ وذلك لأن الأحكام تبنى على اليقين وليس الظن.
وأضاف أن هذا القانون سوف يعطي إمكانية أكبر لزيادة قضايا العنف والإرهاب؛ مدللاً على ذلك ببطلان الإجراءات وفسادها خلال محاولة سابقة لاغتيال وزير الداخلية المصري، وبناء عليها تم القبض على مجموعة ووجهت لهم اتهامات بمحاولة اغتيال الوزير، بل واعترفوا تفصيليًّا وقاموا بتمثيل الجريمة وتم تصويرهم وثبتت عليهم التهمة تمامًا في ضوء اعترافهم؛ وفجأة يظهر تنظيم جديد يطلق الرصاص على مجموعة عسكرية في "القناطر الخيرية"، ويعلن مسئوليته عن محاولة اغتيال الوزير، وهنا أصبحنا أمام طرفين أحدهما مسجون بالقانون ومعترف وهو بريء تمامًا، والآخر تنظيم في صراع مع القانون ويمارس نشاطه وطليق.
وقال إن تعديل الدستور يجمد 3 مواد من قانون بنود حقوق الإنسان ومنها حق المواطن في اللجوء للقطاء المدني، وأكد أن التعديل كله جاء ضد حقوق الإنسان المصري قائلاً: إن هناك مفارقة غريبة لم تحدث في أي دولة أخرى وهي أن نشطاء حقوق الإنسان في مصر يفضلون أن نظل في حالة طوارئ على أن ننتقل لظل قانون الإرهاب الجديد، والذي يهدف أساسًا إلى تحويل حالة الطوارئ من الظرف الطارئ إلى الدائم وللأبد.
وأكد راجي صوراني نائب رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان في سؤال لـ "إخوان أون لاين" حول تحويل أعضاء من جماعة الإخوان للمحاكم العسكرية أنه ضد أي شكل من أشكال المحاكمة العسكرية، وأنه يعلم تمامًا معنى محاكمة عسكرية؛ حيث عمل بالمحاماة لمدة 5 سنوات ضد هذه المحاكم العسكرية في "إسرائيل" لصالح سجناء فلسطينيين؛ مضيفًا أن ألف باء حقوق إنسان ترفض تلك المحاكمة.
وتوجهنا بسؤال إلى المستشار هشام البسطاويسي حول إجراءات المحاكمة العسكرية لخيرت الشاطر وزملائه فقال: كلها باطلة، ولا أتحدث عن هذه القضية فحسب، ولكني أؤكد أنه لا يجوز محاكمة أي مدني أمام محكمة عسكرية.
مضيفًا أن أي محاكمة عسكرية لمدني باطلة حتى لو كانت بقرار من رئيس الجمهورية، مشيرًا إلى أن قانون الإرهاب تم صياغته لحماية نظام الحكم وليس لحماية الشعب!!.
http://www.blogsguide2.blogspot.com/
سياسة - اقتصاد - ثقافة - دين -والمزيد