مدونات ضد المحاكمات : الحرية لمدحت الحداد | الحرية لعصام حشيش | الحرية للدكتور بشر | الحرية لضياء فرحات | الحرية لخيرت الشاطر | الحرية لحسن مالك

عائشة مالك تودع المحكمة العسكرية

كتبت : ايمان عبد المنعم- فريدوم كوست

على بعد 25 كيلو متر من طريق القاهرة إسماعيلية الصحراوي ، وبوسط قاعدة عسكرية تحمل اسم نبي الله "أيوب " ودعت عائشة ابنة ال12عام أمس الثلاثاء 15 ابريل هذا المقر الذي اعتادت المجئ إليه على مدار عام بالكامل ،لم تكن تأتي إلي تلك الساحات الصحراوية الخاوية من زاد و الماء لتلهو كباقي إقرانها في نوادي العاصمة الكبرى ، أو لتلقى دروس الدفاع المدني،ولكن لتلقى والدها رجل الأعمال حسن مالك ،خلف كتلة خراسانيه،والأسلاك الشائكة ..

فمع دقات السادسة صباحا تستيقظ عائشة وتعد ملابسها لتخرج هي والدتها وأخيها أنس الذي يكبرها بعام واحد ،لتذهب إلى القاعدة العسكرية في تمام السابعة صباحا لتنتظر ضمن أبناء 40 من قيادات جماعة الإخوان المسلمين حتى دقات الثانية عشر ظهرا حين يسمح لها القاضي العسكري ومن معها الدخول إلى مقر المحكمة العسكرية بعد عملية تفتش كاملة، يشوبها شعور بالإهانة .

علي مدار 73 جلسة تخلها فصول الشتاء والبرد القارص ، والصيف وحرارته المرتفعة ونسمات الربيع التي لم تهدأ بالا، ولا تصفي ذهنا لهؤلاء الشاردة أذهانهم في الصحراء الصفراء ....عاشت عائشة أجواء المحكمة العسكرية .

آتت إلي هنا قبل عام وفي نفس المكان تنادي علي أبيها والدموع تتصبب من أعيونها كنهر يجري علي منحدر ، لتخرجت اليوم وعيونها تنزف ذات الدمع ولكن بعدما حكم علي أبيها بأقصى عقوبة بلغت سبع سنوات كاملة

ليغيب الأب عن الطفلة، ليخرج إليها وهي شابة تربت في ظل نظام ظالم اختطف أبيها دون جرم من أحضانها ..

وعبر تلك البوابة الضخمة التي تحمل نسرين عملاقيين بمدخلها الهرمى الشكل ،الذى يحمل خلفه عشرات الإ من الصحراء الجرداء التي تحملها على طولها وعرضها لافتات لانجازات الجيش المصري كان يمر الأهالي ومن بينهم عائشة تناقص بنظرها طول المسافة التي تفصلها عن والدها

ورغم أن تلك القاعدة العسكرية ممنوع الاقتراب منها أو اجتياز بوابتها الأولي من قبل المدنين إلا أن عائشة كان لها وضع خاص، فهي تدخل إلي تلك الساحة بأمر مباشر من رئيس الجمهورية الذي أحال أبيها إليها القاضي العساكر

ورغم الاستثناء الذي منحه الرئيس مبارك لتلك الطفلة من امتياز لا يمنح لا لمن يحمل رتبة عسكرية ، إلا أنها تسأل دائما ما ذنب أبى الذي يحب مصر فان يأتي إلي تلك المحكمة الخاصة جدا ، هل ذنب أبي أن جلب استثمارات بالملايين إلى تلك البلاد ، سؤالا كثيرا ما طرأ على ذهنها ..

وتجيب علي نفسها بعقلية الطفلة : ذنب أبي أنه لم يسمع نصيحتي بهجر تلك البلاد والسفر إلي الخارج كأصدقائه الذين فضلوا الاستثمار في بلجيكا أوكرنيا وغيرها من الدول الأوربية ... بالتأكيد هذا هو ذنب أبي ،لماذا يفكر بمصر وهي اليوم تصادر أموالنا حتى قرطي الصغير خلع من آذني كما خلع قلبي من صدري يوم أن القي علي أبى

الخلوة التي عاشتها داخل تلك القاعدة خلال انتظارها لساعات طويلة بداخلها جعلتها تدرك سر إطلاق اسم النبي أيوب عليها ،هذا النبي الذي درست قصته للتو بالمدرسة وعملت انه نبي صبر علي البلاء والإيذاء والمرض لسنوات طويلة ولم يمل أو ييأس ولم يستسلم حتى ابرءاه الله من مرضه وكربه ...

سيارة الجيش كانت الوسيلة التي تحمل عائشة إلي داخل مقر المحكمة العسكرية التي تقع علي بعد عشر كيلو تقريبا من كافتيريا البواسل التي كانت تشتري منها عائشة الحلوى خلال فترة انتظارها السماح لها بالعبور إلي عمق الصحراء الجرداء ..

وعلي بوابة هذا المبني الصغير ذو الطابق الواحد كانت الكلاب البوليسية الضخمة ترعب قلب الطفلة ورفقائها ، فهي المستقبل الأول لعائشة عند نزولها من سيارة الجيش يلها مجموعة من رجال المخابرات ، وامن الدولة ، وقلة من عساكر الجيش ،لتمر بينها إلي هذا الجهاز الإشعاعي لتأكد من خلو جيوب الصغيرة من أي اله حادة ورغم قدرة الجهاز الفائقة علي كشف تفاصيل الجسد وليس ما تحويه الجيوب فقط ، إلا أن هناك مرحلة ثالثة للتفتيش تحت أيدي سيدات ، فبداخل تلك الحجرة الصغيرة تفاجئك 3 بنات بالهجوم عليك بغتة وأيدهم على كافة أنحاء الجسد بطريقة تثير الاشمئزاز والأعصاب في أن واحد .

وداخل تلك القاعة الكبيرة التي تشبه مسرح الأوبرا الصغير تدخل عائشة لتصدم عيناها بالميزان كبير كرمز للعدل هكذا علمت عائشة فيما بعد ..لتتساءل من جديد وأين العدل في وجودنا من الأصل في تلك القاعة ؟ ولكن لا تجد إجابة .

وعلي الكراسي الخشبية المتهالكة تجد القصص عن المحاكمات العسكرية ، تقراها عائشة جيدا وتخزنها في الذاكرة لترويها إلى والدها بمجرد دخوله إلي محبسه الذي يقع بطول الجهة اليسرى من القاعة .

عشر ساعات يوميا تقضها عائشة داخل هذا القاعة التي يرفض القائمون عليها فتح نوافذها لدخول الهواء النقي إلي القاعة .

كما يرفض قضيها تلبية طلبات هيئة الدفاع المتوالية والتي تارة تطالب بالإفراج عن المتهمين ومنهم أبيها لأنهم حصلوا بالفعل علي حكمين بالبراءة من القاضي الطبيعي

وتارة أخري يطالبوا بأدنى الحقوق لإجراء محكمة قانونية تستوفي كافة الإجراءات القانونية ، ورغم عدم استيعاب عائشة لتلك الطلبات إلا أنها تدرك معني الرفض والنظرة الحادة في عيون هذا القاضي الذي يعلو فوق المنصة

كثيرا ما جرت عائشة وأخيها أنس إليه تتوسل إليه أن يفرج عن أبيها ،ولو أيام يفطر معها في رمضان كما كان يفعل ، أو يصلي معها العيد ، إلا أن دموعها وتوسلها لم يحن له قلب ، وأن كانت تبكي جميع المتواجدون بالقاعة عدا المنصة بطبيعة الحال .

هكذا كان الحال داخل هذه القاعة التي باتت تألفها عائشة رغم قسوتها ،فعشرات من الساعات اليومية تقضها هنا استمرت ل73 جلسة

وبالأمس وصلت عائشة إلي ذات القاعدة كعادتها ولكن القاعدة ليست كعادتها، الطرق مغلقة ، مئات من جنود الأمن المركزي تطوق مدخل القاعدة ، الجميع يرفض دخولها بالقوة ، أمها تضرب وأختها وأخويها يعتقلون أمام أعيونها تاركين يديها وحيدة ، تنظر حائرة ماذا تفعل ، وفي وجه من تصرخ ، ومع من تشعر بالإيمان وأبيها بالداخل لا تقوي علي الجري لترتمي بأحضانه

ومن أبواب تلك البوابة تجري عائشة مرعوبة من عصا الأمن ،ولكن الرعب الكبر من القادم

انه الحكم ، أقصي حكم ، هكذا جاءها الخبر وهي تقف في الجهة المقابلة من الصحراء ، الحكم ب7 سنوات لحسن مالك لتودع عائشة القاعدة وهي تتمني إلا يدخلها مصري أبدا ..

0 التعليقات :

أضف تعليقك