- الولي: تزيد المشاكل الاقتصادية تعقيدًا وتعزِّز الاقتصاد غير الرسمي
- صبحي: نصف مليون مواطن سيتضرَّرون بشكلٍ مباشر من هذا الحكم
- الصاوي: رسالة لكل مَن يمارس عملاً اقتصاديًّا ويرتبط بدرجةٍ ما بالتديُّن
- النجار: مصادرة أموال الإخوان تعطي انطباعًا سلبيًّا لدى المستثمرين الأجانب
تحقيق- حسونة حماد
أكد خبراء اقتصاد ومتخصصون أن الأحكام الصادرة بحق رجال أعمال وقيادات جماعة الإخوان المسلمين؛ سواءٌ بالحبس أو بمصادرة أموالهم وممتلكاتهم، تُمثِّل طعنةً في ظهر الاقتصاد المصري، وتبعث برسالةٍ سلبيةٍ للخارج عن الوضع السلبي لمناخ الاستثمار في البلاد.
وقال الخبراء: إن هذه الأحكام سوف تؤدي إلى الإضرار بالاقتصاد المصري، خاصةً أن العديدَ منهم شركاء في مشاريع مشتركةٍ مع رجال أعمال عرب وأجانب، متوقعين هروب الأموال المحلية للخارج بسبب فقدان الثقة وغياب السياسة الاقتصادية في مصر.
واعتبر الخبراءُ أن الأحكام الصادرة بحق رجال أعمال الإخوان تضرُّ بالوضع الاقتصادي في مصر قبل أن تضرَّ بالإخوان أنفسهم؛ لأن هذه الأحكام على هذا النحو تضع مصر في خانة الدول الطاردة للاستثمار فيها، مؤكدين أن الحكومةَ استخدمت في خصومتها السياسية ضد جماعة الإخوان سلاحًا يضرُّ بها قبل الإخوان.
هروب الأموال
يقول ممدوح الولي الخبير الاقتصادي ونائب مدير تحرير جريدة (الأهرام) المصرية: من الواضح أن الأحكام لا يوجد بها أي نوعٍ من المواءمة مع واقع الاستثمار في مصر، خاصةً في ظل هذا التوقيت الحساس الذي تمر به البلاد وفي ظل الاضطرابات الاجتماعية والارتفاع الجنوني لأسعار جميع السلع والمنتجات الأساسية.
وتوقَّع الولي أن يخرج الشعب المصري خلال الفترة القادمة بالعديد من المظاهرات المندِّدة بتردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد وتدهورها على غرار أحداث 17، 18 يناير 1997م، مشيرًا إلى أن الأحكام الصادرة بحق رجال أعمال وقيادات الإخوان، فضلاً عن استمرار حالة البطء في القضايا الاقتصادية، واستمرار ظواهر البيروقراطية والفساد داخل الأجهزة الحكومية، كلها عوامل كفيلة بصدِّ أي استثمارٍ داخل البلد وتدفع المستثمرين للهروب إلي دول أخري مثل الجزائر والسودان والأردن وبعض دول الخليج، وهو ما حدث بالفعل.
وأكد الولي أن الأحكامَ ستزيد المشكلة تعقيدًا، وستؤثر في مناخِ الاستثمار في مصر بشكلٍ كبير، كما أنها ستدفع القطاع غير الرسمي أيضًا في مصر إلى أن يظل كما هو بعيدًا عن الدخول تحت المظلة الحكومية، مضيفًا أن الأحكام ستدفع البعض للاحتفاظ بمدَّخراتهم خارج الجهاز المصرفي، سواء من الداخل أو في الخارج.
وحول تأثُّر البورصة المصرية بهذه الأحكام قال الولي: للأسف بورصتنا ليست محايدة؛ بحيث إنها لا تتأثر بأي حدثٍ اقتصادي سلبي، مضيفًا أنه من المواقف الطريفة في هذا الصدد أن البورصة المصرية ارتفعت يوم 6 أبريل والأكثر غرابةً أن شركات الغزل والنسيج هي التي قادت هذا الارتفاع، رغم أن أحداث 6 أبريل كانت في أكبر مدينة للغزل والنسيج في مصر!!.
وأوضح الولي أن الحكومة المصرية لها يدٌ على التأثير في مؤشر البورصة، من خلال محافظ الأوراق المالية التابعة للتأمينات الاجتماعية، وكذلك محافظ الأوراق المالية بالبنوك العامة، ومن هنا يمكن للحكومة التأثير في مؤشرات البورصة في أي مناسبةٍ لكي تُعطي انطباعًا خاطئًا يتلاءم مع أغراضها.
مصالح شخصية
ويؤكد د. جهاد صبحي الخبير الاقتصادي أن الحكام جائرة على المستويين السياسي والاقتصادي؛ لأن هؤلاء الأفراد لم يسعَوا لتحقيق مصالحهم الشخصية على حساب المصلحة العامة كما يفعل الموالون للحكومة المصرية، مشيرًا إلى أن الحكام الصادرة غير محفّزة للاستثمار؛ لأن رءوس الأموال دائمًا تسعى إلى البيئة المستقرة سياسيًّا واقتصاديًّا، وبعد صدور هذا الحكم، والكلام لصبحي، من المتوقَّع أن توضع مصر ضمن الدول غير الجاذبة للاستثمار، خاصةً أن النظام الحاكم مستمرٌّ في الحكم منذ أكثر من ربع قرن؛ فالبيئة حاليًّا غير مستقرة في مصر.
ويضيف صبحي أن هذه الأحكام ستؤثر في حجم رءوس الأموال الأجنبية القادمة لمصر، خاصةً من الدول العربية؛ لأن رجال أعمال الإخوان تربطهم علاقاتٌ اقتصاديةٌ مع رجال أعمال عرب، وبالتالي سيُؤثر هذا الحكم فيهم في إقامةِ بعض المشروعات الاستثمارية والمؤسسات الاقتصادية.
ويوضح أن الحكومةَ تحاول إغفال تأثُّر الاقتصاد القومي بهذه الأحكام إلا أن هذا سيظهر أثره في المستقبل القريب في الاقتصاد بصورةٍ كبيرةٍ؛ لأن الحكمَ على رجال أعمال بهذه المدد الطويلة بدون أي ذنبٍ ارتكبوه سوف يساعد على تكريس مشكلة البطالة؛ باعتبار أنهم كانوا يمتلكون شركات ومصانع بها ما يقرب من 100 ألف عامل، واستمرار حبسهم سيؤدي إلى خروج العمال خارج نطاق العمل؛ مما سيُؤثر سلبًا في مستوى معيشتهم ومستوى تعليم أبنائهم، ومن هنا يمكن القول بأن الحكومة بهذا القرار لم تظلم فقط رجال أعمال الإخوان ولكن أيضًا ظلمت مَن خلفهم.
ويشير صبحي إلى أنه لو اعتبر أن 5 أفراد هم متوسط عدد 100 ألف أسرة يعمل ربُّها في هذه المصانع والشركات؛ فإن هذا يعني أن نصف مليون مواطن سيتضرَّرون بصورةٍ مباشرةٍ من هذا الحكم، فضلاً عن العديد من ملايين الشعب سيتضرَّرون أيضًا بهذا الحكم بصورةٍ مباشرة؛ لأن هذا الحكم سوف يقضي على أي بادرةٍ لتحقيق الإصلاح الاقتصادي في مصر، ومن هنا فالحكومة بهذا الحكم ساعدت على الضغط على الشعب المصري، بالإضافةِ إلى الضغوط التي يعاني منها من ارتفاع أسعار وغيره.
ويقول صبحي: إن الحكومةَ لا تريد تحقيق مصلحة الشعب، ولكن ما يهمُّها هو مصلحتها الشخصية فقط، وخيرُ دليل على ذلك أنه في نفس اليوم الذي صدر فيه الحكم على رجال الأعمال من الإخوان المسلمين تمَّ الإفراج عن هاني سرور صاحب قضية أكياس الدم الملوثة، مؤكدًا أن الحكومة تُحابي رجال الأعمال المنتمين إليها ويحقِّقون مصلحتها الشخصية.
سمات ضبابية
ويشير عبد الحافظ الصاوي الخبير الاقتصادي إلى أن هناك ملاحظةً مهمةً فيما يتعلق بالأحكام الصادرة في حق قيادات الإخوان المسلمين، وهي أنها صدرت في نفس اليوم الذي حصل فيه رجل الأعمال د. هاني سرور على الحكم بالبراءةِ في قضية شغلت الرأي العام، وهي أكياس الدم الملوثة، والملاحظة هنا، كما يقول عبد الحافظ، هي الفارق بين التعامل مع رجال الأعمال؛ فقيادات الإخوان المسلمين حوكموا أمام محاكم عسكرية، بينما الدكتور هاني سرور حوكم أمام قاضيه الطبيعي، وعندما أُعطيت هذه الفرصة لقيادات الإخوان حصلوا على البراءةِ في أكثر من مرة، وبالتالي فما حدث هو نوعٌ من التصفية السياسية بحق قيادات الإخوان المسلمين للحدِّ من وجودهم في الشارع المصري، خاصةً لكلِّ مَن يمارس عملاً اقتصاديًّا ويرتبط بدرجةٍ ما بالتدين.
ويوضح الصاوي أنه من المتوقع أن تشهد عملية تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر نوعًا من المراجعة، خاصةً بعد أن ظهر لمنظمات المجتمع المدني التي راقبت المحاكمة الخاصة بقيادات الإخوان أنهم حُرموا كثيرًا من حقوقهم، ومن هنا فستفقد مصر مقوماتِ وجود مجتمعٍ ديمقراطي يسمح بوجود الاستثمارات الأجنبية فيها.
ويتوقع أن تكون هناك عملياتُ بيعٍ بنسبٍ كبيرةٍ في البورصة غدًا جرَّاء إصدار هذه الأحكام، فضلاً عن بثِّ الرعب في نفوس المتديِّنين بصفةٍ عامة بشأن وجودهم في الحياة الاقتصادية؛ مما سيؤثر في أداءِ الاقتصاد المصري خلال المرحلة القادمة.
ويضيف الصاوي أنه من المتوقَّع أن تشهد البورصة غدًا عمليات بيع كبيرة، وبالتالي انخفاضًا في أسعار الأسهم، خاصةً أن الأحكام لم تكن مُتوقَّعةً أن تكون بهذا الحجم، مؤكدًا أن هذه كلها سمات ضبابية لوضع الاستثمار في مصر.
ورغم تأكيده أنَّ البورصةَ تعدُّ مرآةً لكافة الأوضاع السياسية في البلاد، وبالتالي فأي نوعٍ من عدم الاستقرار يؤثر في البورصة؛ فإذا وجد المستثمرون في البورصة احتمالَ وجود مواجهةٍ بين النظام وأي اتجاهٍ سياسي معارض قد تؤدي إلى تدهور الأوضاع السياسية يقل الشراء؛ فالمستثمر يشتري ربحًا في المستقبل، وهذا لا يحدث إلا باستقرار الأوضاع السياسية.
على المستوى البعيد
ويرى أحمد السيد النجار الخبير الاقتصادي أن صدور أحكام ضد قيادات الإخوان في القضية العسكرية بعد ما يزيد عن عامٍ منذ قرار إحالتهم إلى العسكرية سيجعل تأثير الحكم ليس سريعًا على البورصة، متوقعًا أن يكون التأثير على المستوى البعيد.
أما عن صدور الحكم بمصادرة الشركات والأموال فيقول النجار إن التأثير على البورصة لن يكون إلا في قدرٍ محدودٍ؛ لأن الشركات عائلية وليست مقيَّدةً في سوق المال، والتأثير سيكون كبيرًا على أصحابها، أما إذا كانت الشركات مقيَّدة في سوق المال فسيكون التأثير كبير جدًّا وملحوظًا على البورصة.
وأكد النجار أن الحكمَ بالمصادرة يُعطي انطباعًا سلبيًّا عند المستثمرين؛ فإذا وجد المستثمر نجاحه مرهونًا باتفاقه مع النظام سياسيًّا أو اختلافه؛ فإذا كان متفقًا فستنجح استثماراته، وإذا كان مختلفًا مع النظام فقد تُصادَر أمواله واستثماراته.