كتبت- دعاء وجدي
قررت نقابة الأطباء إعداد مذكرة حول الآثار النفسية والاجتماعية للمحاكم الاستثنائية، وضم تلك المذكرة لملف قضية المحكمة الإدارية العليا يوم 5/7/2008م، والتي تنظر في إلغاء محاكمة المدنيين عسكريًّا؛ وذلك لدعم موقف 4 أطباء يقضون فترة عقوبة ثلاث سنوات، حكمت بها المحكمة العسكرية في 15 أبريل الماضي في القضية رقم 2 لسنة 2007م، والأطباء هم: د. عصام عبد المحسن، د. محمود أبو زيد، د. صلاح الدسوقي، د. ضياء أبو فرحات.
وحذرت النقابة من آثار إشكال المحاكمات والإجراءات الاستثنائية على من يخضع لها وعلى المجتمع من حوله؛ واعتبرت أن تلك المحاكمات خطر على فكر المواطنة والانتماء لدى كل مصري؛ حيث تغرس فيه شعور القهر والرعب والانطواء.
جاء ذلك خلال ندوة أقامتها نقابة الأطباء اليوم تحت عنوان "الآثار النفسية والاجتماعية للمحاكم الاستثنائية"؛ حيث تحدث د. يحيى الرخاوي أستاذ الطب النفسي بطب القاهرة، مؤكدًا أن الطفل المصري منذ نشأته لا يستطيع أن يكوِّن قيمةً ثابتةً لشخصيته؛ فالقانون لا يطبَّق في أي شارع بالقاهرة؛ فيشب الطفل ليجد أباه ذهب ولم يعد، وبدون أسباب أصبح معتقلاً، أو يجد جاره أو أستاذه تعرَّض لنفس الموقف.. كل ذلك يُفقِد الأمان والاطمئنان فينشأ فاقدًا للهوية.
وتحدث المستشار محمود الخضيري رئيس نادي قضاة الإسكندرية السابق عن شعور القاضي وهو ينظر في دعوى داخل محكمة عسكرية، قائلاً إن مجرد أن يجد القاضي نفسه مطلوبًا منه أن يتخذ إجراءاتٍ وأحكامًا أكثر شدةً مما هو في القضاء الطبيعي يجعله غير محايد ويجعل المتهم أمامه غير مطمئن.
مؤكدًا أن الأحكام الاستثنائية هي وسيلة السلطة التنفيذية لفرض هيمنتها؛ الأمر الذي يفسِّر إصرار الدولة على قانون الطوارئ وعلى القوانين الاستثنائية التي تحرم المتهمين من القواعد الطبيعية التي يجب أن يتمتَّع بها كل من يقف أمام القضاء؛ فالمحاكم الاستثنائية تحكم بالإدانة أو البراءة، ولا يوجد طعن بالاستئناف أو النقض، لكن هناك فقط مكتب تصديق أحكام؛ وظيفته التصديق على الحكم إذا كان يرضي الحكومة أو رفضه وإعادته إلى المحكمة مرةً أخرى، ومجرد إرسال القضية مرة أخرى إلى المحكمة يعني أن الحكومة تأمر بتغيير الحكم لآخر.. كل ذلك يتم داخل مكتب تصديق الأحكام دون رقابة ودون إبداء أسباب.
ووصف الخضري إجراءات المحاكمة الاستثنائية بالعبث؛ لأنها تفتقر لروح القضاء العادل، وتأتي على عكس القضاء الطبيعي الذي ينظر في القضية مرةً واثنتين وثلاثًا؛ فهناك النقض والاستئناف؛ أي أن محكمتين أو ثلاثًا تنظر القضية وتراجع الحكم كفرصة للمتهم.
مضيفًا أن أحكام تلك المحاكم تفتقر لأهم عنصرين للقضاء، وهما: العمومية والتجرد؛ فالعمومية لتشمل كل الناس دون استثناء، والتجرد الذي يجعل تفسيرها مجردًا من التأويل والانتقاء، على عكس قوانين أمن الدولة كلها؛ بما فيها الطوارئ وأمن الدولة العسكرية؛ التي تخلق لدى كل إنسان عدم الشعور بالأمان.
وأكد الخضري أن عدم شعور الإنسان بالأمان معناه انعدام الإحساس بالمواطنة، والشعور الدائم بالمرارة؛ الذي يجعل الانتماء أمرًا يثير السخرية ويجعل أي بديل لذلك الانتماء غير المجدي بديلاً مرحبًا به حتى لو كان الهجرة للكيان الصهيوني، وهذا ما يمكننا أن نفسر في إطاره فعل من هاجر للكيان من مئات الشباب وتزوج وعاش بها؛ لأنه لم يجد في وطنه ما يجعله يشعر أنه وطنه.
وأكد الدكتور أشرف عبد الغفار عضو مجلس نقابة الأطباء أن رجل القضاء أو وكيل النيابة أو غيرهم ممن ينفِّذون تلك الإجراءات الاستثنائية؛ يعرفون جيدًا أنهم يظلمون الناس؛ فنجد هذا القاضي أو وكيل النيابة يطلب من المتهم ألا يدعو الله عليه ويبرِّر له حكمه بأنه جاء تنفيذًا للقرارات والأوامر، وذلك رغم أنهم خالفوا ضمائرهم وما أقسموا عليه وخضعوا لإرادة الحكام، وفي النهاية نجد المجتمع يضم أفرادًا يشعرون جميعًا بالقهر والرعب؛ بدءًا من الطفل وانتهاءً بالشيخ، فنحن نعيش حالةً من التشوُّه الكامل؛ تشوُّه أصاب المواطن فأصبح يرى العمل السياسي مغامرةً لا تُحمد عقباها.
وتساءل عبد الغفار عن التشابه بين مصر اليوم وتركيا منذ ثلاثين عامًا؟! قائلاً: هل يأتي يوم نجد فيه الحزب الحاكم مهددًا بالحل وفقًا لحكم محكمة؟!
أما الدكتور سعيد إسماعيل علي أستاذ أصول التربية بجامعة عين شمس فأكد أن المحاكمة العسكرية هي عنصر في كيان يقوم على الاستبداد والقهر، وأن مناخ القهر والاستبداد لا يخلق أي إبداع، بل يخلق مزيدًا من النكبات والعقبات.
مضيفًا أن مناخ الإدارة العامة في المجتمع هو التسلط، ومن يدير هذا المناخ يتصرف على أنه مايسترو ومن حوله يعملون وفقًا لما وضعه لهم في النوتة الموسيقية، وعليهم أن يستجيبوا لأصابعه، مؤكدًا أن المجتمع ككل يربَّى على القهر؛ فالطالبة التي كتبت موضوع تعبير وجَّهت به نقدًا شديدًا للرئيس الأمريكي أثارت الدنيا وقامت عليها، ولم تسكن إلا بقرار جمهوري، وهكذا اليوم يحول طالب بالثانوية العامة للتحقيق بسبب موضوع تعبير كتبه وانتقد فيه من لا يحق له أن يتحدث عنهم.
أما الدكتور رفيق حبيب المفكر القبطي فأكد أننا نعيش حالةً استثنائيةً غير معيارية؛ فلا يوجد معيار تعتمد عليه الدولة أو السلطة؛ فالدستور مغيب ومشوَّه بعد التعديلات الأخيرة، وهناك قوانين كثيرة، منها ما هو استثنائي أو ما هو غير استثنائي ولكنه لا يطبَّق؛ لأن صاحب السلطة يفرض رأيه، فمن يُرِد أن يؤسس حزبًا فلا بد أن يكون مرضيًا عنه؛ ومن يُرِد أن يقيم مؤسسةً إعلاميةً لا بد أن يمتلك علاقاتٍ من نوع خاص.
وأضاف حبيب أن كل من يريد أن يعمل في العمل السياسي خارج إطار سيطرة وهيمنة الحكومة مغضوب عليه؛ ولا مكان له إلا في السجون؛ حيث الاعتقال أو الحبس الاحتياطي، مؤكدًا أن مصر تعاني من تشوُّه فكري وثقافي وحضاري على مدار ثلاثة عقود