تحقيق مميز للصحفية المجتهدة سالي مشالي
محنة الاعتقال لا تنعكس على الشخص المعتقَل فقط وإنما على كل أفراد أسرته، بل وعلى جيرانه وزملائه والعاملين معه أيضًا
محنة الاعتقال لا تنعكس على الشخص المعتقَل فقط وإنما على كل أفراد أسرته، بل وعلى جيرانه وزملائه والعاملين معه أيضًا
والمعتقلون السياسيون ليسوا خارجين على القانون أو مرتكبي جرائم، وإنما هم شخصيات عامة لها مركزها العلمي والاجتماعي، وتحظى باحترام الجميع، وأطفال هؤلاء المعتقلين يرون في أغلب الأحوال مواقف شديدة التأثير تؤثِّر على تكوينهم وشخصياتهم، ولا تنمحي آثارُها من ذاكرتهم مهما مضى من الوقت.
هؤلاء الصغار شاهَدوا وقائع الاعتقال، ويصرُّون على حضور عرض النيابة وجلسات المحكمة، بالإضافة إلى الزيارات المتكررة لآبائهم في السجون على اختلافها (المحكوم، طرة، المزرعة)، وقد رفضوا بعزمٍ لافتٍ أن يكونوا مثل أقرانهم، وتحوَّلوا إلى شخصيات قيادية، لا تقود الصغار فقط بل وتقود الكبار أيضًا، فيهتفون ويهتف وراءهم الكبار: (يا جنود الله صبرًا.. إن بعد العسر يسرًا، لا تظنوا السجن قهرًا.. رُبَّ سجنٍ قاد نصرًا)، يربتون على أمهاتهم وإخوانهم الكبار، ويطالبونهم بالصبر والثبات.
وقت المحاكمة تجدهم كالنَّحل، يقفون في خدمة الجميع، يوزِّعون العصير والمياه والبسكوت والتمر والبونبون، ويرفعون الأعلام واللوحات التي تندِّد بالظلم الواقع عليهم وعلى أسرهم وعلى وطنهم، يتحدَّثون مع وسائل الإعلام المختلفة، يتلون آيات القرآن، يُلقون الشعر، ينشدون الأناشيد، يحاولون الدفاع عن آبائهم قدرَ استطاعتهم، يتسلَّقون الأسوار؛ علَّهم يحظَون بنظرة واحدة ولو من بعيد إلى آبائهم لحظةَ نزولهم من سيارة الترحيلات، يتعلَّقون بالقضبان عسى أن تمسَّ أناملُهم الصغيرة أناملَ آبائهم!!
يبكون.. يصرخون.. يمزِّقون القلوب، ولكنهم دومًا أقوياء، صقلتهم المحنة، وقوَّتهم التجربة، فأصبح ابن العشر سنوات رجلاً قويًّا صامدًا، وصارت بنت الثماني سنوات مجاهدةً لا يُشَقُّ لها غبارٌ في قاعات المحكمة وفي قلب السجن ووقت الزيارات.
هؤلاء "الصغار الكبار" أردنا أن نُتيح لهم الفرصة ليعبِّروا عن مشاعرهم تجاه المحنة التي يمرُّون بها وتمرُّ بها أُسَرُهم وآباؤهم وأصدقاؤهم، فعبَّروا بلغتهم وبساطتهم، كما في هذا التحقيق:
المؤذن
ينشد بصوته الشجِيّ ومشاعره المتدفِّقة وقلبه الممزَّق: "أبي أنت حرٌّ وراء السدود.. أبي أنت حرٌّ بتلك القيود"، ويصل صوتُه وإحساسُه وألمُه لكلِّ من يسمعه، يُرفَع على الأعناق فيهتف ويهتف وراءه الكبار والصغار: "إشهد إشهد يا الله.. كله يهون في سبيل الله"، "عسكر عسكر عسكر ليه؟!.. إحنا سرقنا ولا إيه؟!" يؤذن للصلاة ليصطفَّ المصلُّون في الحال للصلاة والدعاء..
إنه معاذ أحمد شوشة (10 سنوات) يقول معاذ: "عندما أحضر إلى المحكمة أشعر أني أقف في منطقة ظلم، وهذه هي طريقتي التي أملكها لدفع هذا الظلم.. أبي ربَّاني على حبِّ بلدي، ومهما اتظلمنا فيها برضة حافضل أحبها.. أنا مش قايل لأصحابي إن بابا مسجون؛ لأنهم ماعندهمش وعي، ومش حيفهموا، وأهم حاجة إني أحسّ إني واقف جنب أمي واخواتي باحاول أساعدهم وأقولهم: اثبتوا ربنا مش بينسى حدّ.. إن الله لا يُضيع أجر من أحسن عملاً.. واذا كان الظلم ساعة أو ساعتين فالحق إلى قيام الساعة، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".
أميرة المحاكمات
أطلق عليها الكثيرون "أميرة المحاكمات"، ولعلَّ السر في حصولها على لقب "أميرة" يرجع إلى حماسها ورقَّتها ومحاولتها تحمُّل مسئوليات أثقل بكثير من قدرات كاهليْها الصغيرَين..
إنها عائشة حسن مالك (10 سنوات) بكلمات قوية ولكن تهزُّها المشاعر الفياضة تقول عائشة: "أنا حاسَّة إني كبرت أوي، وامَّا باهتف باحس إن اللي باقوله ده لبابا وبس مش لحد تاني.. هما بيظلمونا ومعندهمش دليل على الظلم دا، ورغم انهم بيظلمونا لكن احنا حننتصر قريبًا إن شاء الله، وهما كده حيخشُّوا النار، هما كل ما يعملوا فينا حاجة وحشة بياخدوا سيئات واحنا بناخد حسنات، بابا كل ما يبني حاجة يهدوها له، وهو بناها بتعبه وشقاه، وامَّا اخدوا بابا كانت ماما وأخويا الكبير مسافرين الحج، وبابا كان مسافر معاهم، ونزَّلوه من الطيارة الأول وبعد ما رجع البيت تاني يوم قبضوا عليه، وخديجة واخواتي خبُّوا عليَّ ثلاثة أيام، وكانوا بيخبُّوا الجرايد مني عشان ما اعرفش، وبعدين خديجة قالت لي إنتي عارفة عمو خيرت فين؟! بابا دلوقتي مع عمو خيرت، فزعلْت أوي عشان أنا كده فقدت أبِّين في وقت واحد، امَّا بآجي المحكمة باكون زعلانة ومتضايقة عشان بابا ماعملش حاجة غلط وهما عملوا كل حاجة غلط".
البلسم
تحتاج عائشة لأخيها أنس (12 سنة) ليهدِّئها ويطمئنها، يقول أنس: "امَّا باحس إن عائشة بتعيَّط بتصعب عليَّ وباقعد اطبطب عليها، وأحيانًا بالليل بتبقى بترتعش وهي نايمة في سريرها فباقعد جنبها واحاول أهدِّيها ولو ما سكتتش باندَه لخديجة عشان تشوفها".
وخديجة أيضًا احتاجت أنس بعد اعتقال والدها؛ حيث كانت تبكي بغرفتها فدخل وراءها أنس وقال لها: "اثبتي يا خديجة، فما نحن فيه ابتلاء من الله ليرانا هل سنثبت أم نسخط؟! ولو كنَّا مسلمين بشكل صحيح ربنا سيجازينا خيرًا، ولو سخطنا فلن يقابلنا ربنا سوى بالسخط".
حتى والدته التي كانت في الحج وقت الاعتقال، جاءت كلماته لها وقتها لتكون بلسمًا وراحةً، فقد قال لها: "اثبتي يا أمي ولا تبكي، فنحن على الحقِّ وأبي على الطريق الصحيح وهو بخيرٍ، ونحن رجال، وانتبهي لحجك".
ويعلِّق أنس على هذا الكلام قائلاً: كان كل همِّي أن تركِّز أمي في الحج، وتركز في الدعاء الذي يحتاجه أبي في هذا الوقت أكثر من أي شئ آخر، وتستطيع بعد العودة من الحج أن تهتم بموضوع أبي كما تشاء".
ولا ينكر أنس أنه يحتاج إلى من "يطبطب" عليه كما يفعل هو مع الآخرين، لكنه يؤكد أن الوحيد القادر على طمأنته وتهدئته و"الطبطبة" عليه هو والده، ولا يمكن لأحد أن يحل محله.
كل هذه الرقة والحنان لا تقلل من شأن أنس ولا تُضعف من دوره في المحاكمات ووقوفه "وقفة راجل" وهتافه وجهده الذي يقوم به.
القائد الصغير
وعند ذكر القادة الصغار يظهر بقوة اسم أحمد ضياء فرحات (12 سنة)؛ حيث يعبر أحمد عن مشاعره تجاه محنة والده، فيقول: "الظلم اللي حصل لنا ده مش بس ظلم للإخوان.. لا.. دا ظلم للمسلمين كلهم؛ لأن بابا أتسجن لأنه كان بيأدِّي حاجة مهمة للإسلام والمسلمين، وامَّا باهتف قدَّام المحكمة باحسّ إني باعمل حاجة صغيرة أوي قدام اللي بابا عمله لي، وباحاول أوصَّل صوتي لأي حد عنده عقل وبيفهم، وأقوله إن اللي بيحصل ده ظلم، وحاسس إني امَّا أكبر ويبقى عندي 20 سنة مش بس حأقود مظاهرة، لكن إن شاء الله حأقود مجموعة مؤمنة وقوية نغيِّر بيها الظلم ونصلَّح المجتمع كله".
ويتابع: "أصحابي كلهم في الفصل عارفين إن بابا في السجن، وأنا أفتخر بابويا ولي الشرف إن هوَّ إخوان، وانه اتسجن عشان بيعمل حاجة ترضي ربنا وترفع الإسلام".
ويوجِّه رسالةً لوالده خلف القضبان يقول فيها: "يا بابا أنت ماسيبتش وراك عيال بتعيَّط، إنما سِبْت وراك رجالة، وان شاء الله نستفيد من المحنة دي إننا نتقرب لربنا أكتر ونهتم بالبلد أكتر ونحاول نكمل اللي انت بدأته وحننجح إن شاء الله".
لماذا تأخذون مني عائلتي؟
عندما ألقت بأبيات الشعر الرائعة "لماذا تأخذون مني عائلتي؟!" كانت دموعُها تجري، وتَجري معها دموعُ الجميع كبارًا وصغارًا..!! هذه الصغيرة التي حُرِمت من أبيها وجدها وعمها مرةً واحدةً بسبب اعتقالهم.
هذه الجميلة التي تتغيَّب عن مدرستها لتحضر إلى المحكمة لترى الأحبة وراء القضبان، وترى أمها وجدتها وخالاتها يبكون.. إنها سارة أيمن عبد الغني حفيدة المهندس خيرت الشاطر (6 سنوات).
تقول سارة بصوت منخفض وكلمات خجولة: "أنا باقول الشعر ده عشان بابا وعمو وجدو يخرجوا، عشان هما وحشوني أوي، وانا حاسَّة كده اني بادافع عن بابا، أنا عارفة انهم حيخرجوا بألف سلامة، وأنا بادعي على طول وبأقول حسبي الله ونعم الوكيل عشان ربنا ينقذهم، وباكتب لهم جوابات كتير، وانا ماقولتش لأصحابي إن بابا في السجن، أقولهم ازاي إن العساكر أخدوه؟! إنما ادِّيت لهم نمرتي عند جدتي وخلاص".
أنس أيمن الأخ الأصغر لسارة (4 سنوات) وجَدَتْه خالته يحتفظ بصورة لوالده تحت وسادته، وعندما سألته ماذا تفعل بالصورة يا أنس؟ أجاب بأنه يخرجها يوميًّا من تحت الوسادة قبل أن ينام وينظر إليها ويبكي ثم يعيدها إلى مكانها مرةً ثانيةً!!
بأي ذنب سجنوه؟
الرقيقة سارة محمد حافظ (7 سنوات) هزَّت مشاعر أهالي المعتقلين؛ بما ألقته من أبيات شعرية تتساءل: "بأي ذنب سجنوه؟!" تقول سارة: "هما جُم البيت وخدوا بابا وأنا كنت في المدرسة، وبعدين إما رجعت البيت لاقيت ماما بتعيَّط وقالت لي بابا سافر، بس لما رُحنا له الزيارة وشُفت العساكر قلت لماما هو بابا في السجن ولا إيه؟ المفروض العساكر الوحشين دول هما اللي يتسجنوا عشان السجن بيدخله الناس الوحشين، وانا خفت أقول للميس إني حاغيب علشان أزور بابا في السجن وقلت لها إني خارجة، والشعر اللي بأقوله ده جدو هو اللي ألّفه".
الرقيقة سارة محمد حافظ (7 سنوات) هزَّت مشاعر أهالي المعتقلين؛ بما ألقته من أبيات شعرية تتساءل: "بأي ذنب سجنوه؟!" تقول سارة: "هما جُم البيت وخدوا بابا وأنا كنت في المدرسة، وبعدين إما رجعت البيت لاقيت ماما بتعيَّط وقالت لي بابا سافر، بس لما رُحنا له الزيارة وشُفت العساكر قلت لماما هو بابا في السجن ولا إيه؟ المفروض العساكر الوحشين دول هما اللي يتسجنوا عشان السجن بيدخله الناس الوحشين، وانا خفت أقول للميس إني حاغيب علشان أزور بابا في السجن وقلت لها إني خارجة، والشعر اللي بأقوله ده جدو هو اللي ألّفه".
القطة الخائفة
وقف أمام المحكمة يحمل فوق رأسه لوحًا من الكارتون يحاول أن يحتمي به من الشمس الحارقة في صحراء التجمع الخامس.. إنه يوسف سعيد سعد (8 سنوات) يقول يوسف: "أنا عارف إن بابا في السجن عشان الإخوان، وانا شفت العساكر لما جُم خدوه وكنت خايف جدًّا عشان كنا بالليل أوي، وأخدوا الكمبيوتر بتاعي وقعدت أقول لهم سيبوا الكمبيوتر.. سيبوا الكمبيوتر، بس ما سمعوش الكلام، وخدوا الكمبيوتر والشاشة والماوس والكيبورد والسماعات، وخدوا بابا كمان وركبوا عربية كبيرة أوي، وكنت قلقان عشان بابا كان حيذاكرلي الامتحان، أنا عاوز اضربهم كلهم، بس هما أكبر مني ضربي مش حيوجعهم"..!!
اعتُقل أبوها من قبل أكثر من مرة ومرَّت معه بهذه التجارب، واليوم تُعيد التجربة مع عمها "ضياء فرحات" وأبنائه.. أروى علاء فرحات (9 سنوات) تقول بلهجة لا تخلو من الحماس والتأثر: "هما ليه بيظلموا الناس ويقعَّدونا في قلق مش عارفين عمو حيطلع ولا لأ، أنا شفتهم وهما بياخدوا عمو وبياخدوا الحاجات وكنت خايفة جدًّا، حتى القطة كانت خايفة كمان، أنا نفسي أزقُّهم جوَّه العربية واحبسهم واعمل معاهم زيّ ما عملوا مع عمو وأكتر كمان".
لعبة المعتقل
آلاء أمير بسام ابنة الخمسة أعوام التي تبدَّلت أحلامها, وبدلاً من الأحلام الطفولية الوردية صارت تستيقظ ليلاً بسبب الكوابيس المتكرِّرة، فمنذ اعتقال أبيها ليلاً وقيامهم بكسر الباب اثناء الاقتحام وهي تعاني من الشعور بعدم الأمان!!
تقول آلاء عن أحد الضباط: "الراجل الوحش صرخ في وشي، وبابا سابني بالليل وراح مع الأشرار دول"..
تلعب آلاء الآن لعبة "الزيارة والمعتقل" وتتبادل في اللعبة دور "الشاويش والسجَّان والمسجون"، وتوجِّه إلى أبيها رسالةً تقول فيها: "أنا بحبك أوي يا بابا، وباموت فيك، وباسلم عليك، إحنا بندعي لك كلنا وانت ادعي لنا كلنا، ولما آجي لك الزيارة هافضل معاك".
أما العساكر والضباط فتقول لهم: "ربنا كده مش هيحبّكوا وانتوا هتدخلوا النار، واحنا هندخل الجنة مع بابا, وهما كمان خدوا شرايط الأناشيد بتاعتي، ولما بازور بابا بيقول لي إنتي وحشتيني جدًّا, ومتزعليش عشان أنا بعيد عنكو، أنا بعيد عشان ربنا بيحبني، وأنا عارفة إن بابا حلو وبيصلِّي وبيحب ربنا، وهما مبيحبوش ربنا، وكمان لأن الناس بتحب بابا ومبيحبوش العساكر دول علشان هما وحشين.
بابا إخوان
أما أفنان (توأم آلاء) فقالت: "أنا عايزة أقول لبابا.. انت حلو وأنا بحبك أوي.. أنت حتجيلنا إمتى يا بابا، عشان أنت وحشتني أوي، وأنا نفسي أروح معاك النادي؟ وتساءلت: "لو بابا مطلعش هنروح المصيف إزاي؟!".
وتُكمل: "وانا باكره الناس اللي خدو بابا وهما وحشين أوي ولو أخذوا بابا تاني أنا حضربهم واشد شعرهم"، وتساءلت ببراءة: "هما ليه أخذوا بابا من البيت وخدوا الحاجات بتاعتنا؟! ليه مش عايزين يرجَّعوا بابا لينا؟!
أما بسَّام ذو التسع سنوات فقال: "الناس اللي أخدوا بابا ظالمين وهما بيخدوا بابا عشان هوَّ مؤمن بالله وهما مش عاوزين بابا يكون من الإخوان المسلمين، لكن بابا هيفضل مع الإخوان، وأنا بادعي على الظالمين وإن شاء الله ربنا هينتقم منهم وبابا هيرجع البيت تاني".
ويوجِّه رسالةً لوالده يقول فيها: "يا أبي، حضرتك اللي ربيتني على حسن الخلق، وأنت يا أبي اللي علمتني إني لا أشتم، وإن شاء الله تعالى سيكون العرض الجاي إفراج، أنا مش جاي يوم الخميس لأني سأكون في البيت باحفظ القرآن الكريم، وإن شاء الله تعالى سأكون مثلك في كل الحاجات يا أبي".
إرجع معنا يا أبي
يحمل علَم مصر واللافتات، ويزاحم الكبار أمام القفص لعله يرى أباه.. إنه عامر محمود مرسي (7 سنوات) يعبر عن مشاعره قائلاً: "أنا كنت نايم في البيت ولما صحيت عرفت ان العساكر جت وخدت بابا، وانا بقول أنا بحبك قوي يا بابا ونفسك ترجع تاني للبيت"، وأنا مقدرش أقول لاصحابي إن بابا في السجن؛ لأنهم مش هيفهموا عشان لسة صغيرين".
إيمان وولاء
عندما تذهبان لزيارة أبيهما في المعتقل، وفي نهاية كل زيارة تتعلقان بيده وتبكيان وتصرَّان على اصطحابه معهما إلى البيت، ويبذل الجميع جهدًا خارقًا ليُنهوا هذا الموقف المؤلم، إنهما التوأم إيمان وولاء أحمد أشرف (8 سنوات) تقول ولاء: "أنا زعلانة أوي إن بابا مش موجود معانا زي زمان، وبابقى فرحانة اني راحة الزيارة عشان حاشوفه، وبارجع ازعل تاني واحنا ماشيين لأن مش حييجي معانا، وأول مرة زُرته فيها رسمت له كارت وكتبت له فيه كل عام وحضرتك بخير وترجع لنا بالسلامة واحنا معاك، وامَّا شافه فرح جدًَّا".
أما إيمان فتقول: "كل مرة بازور بابا فيها باعمل له حاجة جديدة تفرَّحه، واحنا رايحين زيارة بكرة وانا واخدة له هدية معايا يا رب تعجبه".
اعتُقل أبوها من قبل أكثر من مرة ومرَّت معه بهذه التجارب، واليوم تُعيد التجربة مع عمها "ضياء فرحات" وأبنائه.. أروى علاء فرحات (9 سنوات) تقول بلهجة لا تخلو من الحماس والتأثر: "هما ليه بيظلموا الناس ويقعَّدونا في قلق مش عارفين عمو حيطلع ولا لأ، أنا شفتهم وهما بياخدوا عمو وبياخدوا الحاجات وكنت خايفة جدًّا، حتى القطة كانت خايفة كمان، أنا نفسي أزقُّهم جوَّه العربية واحبسهم واعمل معاهم زيّ ما عملوا مع عمو وأكتر كمان".
لعبة المعتقل
آلاء أمير بسام ابنة الخمسة أعوام التي تبدَّلت أحلامها, وبدلاً من الأحلام الطفولية الوردية صارت تستيقظ ليلاً بسبب الكوابيس المتكرِّرة، فمنذ اعتقال أبيها ليلاً وقيامهم بكسر الباب اثناء الاقتحام وهي تعاني من الشعور بعدم الأمان!!
تقول آلاء عن أحد الضباط: "الراجل الوحش صرخ في وشي، وبابا سابني بالليل وراح مع الأشرار دول"..
تلعب آلاء الآن لعبة "الزيارة والمعتقل" وتتبادل في اللعبة دور "الشاويش والسجَّان والمسجون"، وتوجِّه إلى أبيها رسالةً تقول فيها: "أنا بحبك أوي يا بابا، وباموت فيك، وباسلم عليك، إحنا بندعي لك كلنا وانت ادعي لنا كلنا، ولما آجي لك الزيارة هافضل معاك".
أما العساكر والضباط فتقول لهم: "ربنا كده مش هيحبّكوا وانتوا هتدخلوا النار، واحنا هندخل الجنة مع بابا, وهما كمان خدوا شرايط الأناشيد بتاعتي، ولما بازور بابا بيقول لي إنتي وحشتيني جدًّا, ومتزعليش عشان أنا بعيد عنكو، أنا بعيد عشان ربنا بيحبني، وأنا عارفة إن بابا حلو وبيصلِّي وبيحب ربنا، وهما مبيحبوش ربنا، وكمان لأن الناس بتحب بابا ومبيحبوش العساكر دول علشان هما وحشين.
بابا إخوان
أما أفنان (توأم آلاء) فقالت: "أنا عايزة أقول لبابا.. انت حلو وأنا بحبك أوي.. أنت حتجيلنا إمتى يا بابا، عشان أنت وحشتني أوي، وأنا نفسي أروح معاك النادي؟ وتساءلت: "لو بابا مطلعش هنروح المصيف إزاي؟!".
وتُكمل: "وانا باكره الناس اللي خدو بابا وهما وحشين أوي ولو أخذوا بابا تاني أنا حضربهم واشد شعرهم"، وتساءلت ببراءة: "هما ليه أخذوا بابا من البيت وخدوا الحاجات بتاعتنا؟! ليه مش عايزين يرجَّعوا بابا لينا؟!
أما بسَّام ذو التسع سنوات فقال: "الناس اللي أخدوا بابا ظالمين وهما بيخدوا بابا عشان هوَّ مؤمن بالله وهما مش عاوزين بابا يكون من الإخوان المسلمين، لكن بابا هيفضل مع الإخوان، وأنا بادعي على الظالمين وإن شاء الله ربنا هينتقم منهم وبابا هيرجع البيت تاني".
ويوجِّه رسالةً لوالده يقول فيها: "يا أبي، حضرتك اللي ربيتني على حسن الخلق، وأنت يا أبي اللي علمتني إني لا أشتم، وإن شاء الله تعالى سيكون العرض الجاي إفراج، أنا مش جاي يوم الخميس لأني سأكون في البيت باحفظ القرآن الكريم، وإن شاء الله تعالى سأكون مثلك في كل الحاجات يا أبي".
إرجع معنا يا أبي
يحمل علَم مصر واللافتات، ويزاحم الكبار أمام القفص لعله يرى أباه.. إنه عامر محمود مرسي (7 سنوات) يعبر عن مشاعره قائلاً: "أنا كنت نايم في البيت ولما صحيت عرفت ان العساكر جت وخدت بابا، وانا بقول أنا بحبك قوي يا بابا ونفسك ترجع تاني للبيت"، وأنا مقدرش أقول لاصحابي إن بابا في السجن؛ لأنهم مش هيفهموا عشان لسة صغيرين".
إيمان وولاء
عندما تذهبان لزيارة أبيهما في المعتقل، وفي نهاية كل زيارة تتعلقان بيده وتبكيان وتصرَّان على اصطحابه معهما إلى البيت، ويبذل الجميع جهدًا خارقًا ليُنهوا هذا الموقف المؤلم، إنهما التوأم إيمان وولاء أحمد أشرف (8 سنوات) تقول ولاء: "أنا زعلانة أوي إن بابا مش موجود معانا زي زمان، وبابقى فرحانة اني راحة الزيارة عشان حاشوفه، وبارجع ازعل تاني واحنا ماشيين لأن مش حييجي معانا، وأول مرة زُرته فيها رسمت له كارت وكتبت له فيه كل عام وحضرتك بخير وترجع لنا بالسلامة واحنا معاك، وامَّا شافه فرح جدًَّا".
أما إيمان فتقول: "كل مرة بازور بابا فيها باعمل له حاجة جديدة تفرَّحه، واحنا رايحين زيارة بكرة وانا واخدة له هدية معايا يا رب تعجبه".
Labels: أهالى المعتقلين, حوار, مشاعر
3 التعليقات :
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
أولا: أن رجال الأعمال الإخوان كما يطلقون عليهم، عرفوا بجد إزاي يربوا أولادهم بحيث أني رأيت عيال تفرح بجد لايستحقوا أن يطلق عليهم لقب عيال بل هم رجال حقا لم يشتك منهم أحد من طول الإنتظار أو ظهرت عليه علامات الملل بل كانوا فعلا مقتنعين وحاسيين قوي باللي هم بيقولوه حتى انهم ألهبوا حماسة المتواجدين
ثانيا: أي نظرة من عين إلى أسر هؤلاء المعتقلين ومقارنتها بأسر رجال أعمال النظام يبدو فيها الفرق واضحا جدا جدا بين الحق والباطل بين اللي المفروض يبقى حر طليق واللي يستاهل يقف وراء الأسوار والقضبان
ثالثا: أن الدولة اللي عايزة تصفي الإخوان عمرها ما حاتقدر لأن كل دول إخوان
فأن هؤلاء حقا هم عز الامه و نصرها القادم ان شاء الله
ان المعتقلين ربوا رجالا و بناتا يستحقون حقا لقب الابطال
واقول لهم ان ابائكم رجال و انتم ستكونوا مثلهم ان شاء الله
ثبت الله خطاكم و فك اسر ابائكم