عندما لا تجد ما تعبر به من كلمات ، عندما تتوه الألفاظ وتتواري العبارات ، عندما يملأ قلبك الأسي والحسرات ، عندما يختزل الوطن في أسواروأسلاك وجنود ورشاشات ، عندما تمتليء عيونك بالدموع ولا تستطيع البكاء ، عندما تري أحقر عملية اهانة لرموز مصر وعلمائها وشرفائها ، عندما يحدث كل ذلك يبقي انت أكيد في المحكمة العسكرية..... !!
هل من الممكن أن يجد المرء سعادة في اذلال انسان أخر وقهره ؟
هل من الممكن أن يستمتع انسان بعذاب انسان أخر ومعاناته ، أسئلة كثيرة تطرح نفسها واجاباتها تؤكد شيء واحد أن هذا النظام المستبد لا يملك قلبا ولا يعرف رحمة ولا يحترم أحدا مهما كان قدره ، انه كالغوريلا التي فقدت بصرها فانطلقت تنهش في من حولها وتغرز أنيابها في رقاب الجميع بلا تمييز ، بدون مبالغة كل من حضر مأساة الجلسة الثانية للمحكمة العسكرية لشرفاء الوطن يدرك ذلك .
تعددت المشاهد والهم واحد
تعددت المشاهد والهم واحد
كم شعرت بالخجل وانا أري شرفاء العالم من صحفيين أجانب ومراقبين دوليين ونشطاء حقوق انسان يتم اهانتهم وتكديرهم مثلنا تماما بالوقوف ساعات طويلة تحرقنا الشمس بحرارتها وكأنهم يفعلون بنا ذلك لكي نيأس وننصرف ، ولكن محال ، لقد كان اليوم برغم مرارته وقسوته ، كان مهرجانا لمحبي الحرية من جميع أنحاء العالم ومن مختلف تيارات مصر الفكرية والسياسية ، وقف الجميع صفا واحدا في مواجهة نظام مستبد فقد عقله يحرق الوطن ويدمره بما يفعل
من رأي السيدة حسيبة صحراوي والسيد هيثم مناع والكسندر الصحفي الأجنبي الحرو غيرهم وهم يقفون معنا ويعانون معنا لحظة بلحظة ويتحملون ذلك في سبيل اظهار الحقيقة للعالم وفضح هذا التزوير والتلفيق ،
من رأي المستشار ابراهيم صالح نائب رئيس محكمة النقض الأسبق وهو يترافع كالأسد الهصور أمام محكمة الظلم ويفند الاتهامات التافهة التي لا تقوم علي أي دليل
من رأي مئات المحامين وقد أتوا من كل أنحاء مصر يتسابقون للدفاع عن رموز الوطن وشرفائه
من رأي شباب مصر وهم يتحدون البغي والظلم ويهتفون من قلوبهم مش هنفرط مش هنسيب حلمنا فيها مش هيغيب
من رأي النسمات الرقيقات عائشة ومريم وحبيبة وهم يقفون أمام رشاشات الجنود بلا خوف ويصرون علي الدخول لحضور المحاكمة ومساندة ابائهم
من رأي كل هذا سيدرك أن الفجر قادم قادم عن قريب ، ان هذه المحنة وحدت صفوف الأمة وكذلك وحدت أنصار الحرية في كل مكان في العالم كما رأينا في مظاهرات كوريا وأمريكا ولندن ، الكل في خندق واحد في معركة الخلاص من بطش الظلم والاستبداد
كم سعدت وأنا أصافح صديق يساري الفكر، حضر للمشاركة في هذا اليوم ، وعندما سألته أستغرب سؤالي وقال : مصر كلها بتتحاكم هنا ازاي ماكنش موجود ؟؟
هذا اليوم لن ينمحي أبدا من ذاكرة التاريخ ولا الأيام ، سيذكر التاريخ هذا اليوم بمداد من نور ، سيذكر التاريخ صمود الاخوان وثباتهم ، كل من رأي هذه الوجوه المشرقة من وراء الأسلاك والقضبان أبصر هذا النور الذي يشع من العيون وهذه الابتسامة الجميلة التي تملأ القلب سكينة واطمئنانا ، عجيب أمر هؤلاء الرجال كم يمتلكون من قوة نفسية واتزان يسمح لهم باستيعاب ما يحدث والاستعلاء عليه باباء وشموخ لا يعرف الضعف والهوان ، انها القلوب التي امتلأت ايمانا فلم تعد تخشي الا الله ولا تتوكل الا علي الله ، فهنيئا لهم يوم يلاقون الله عز وجل بهذا الثبات..
مع مرارة الاحداث وقسوتها والعناء الذي لاقاه الجميع كان هناك في اليوم مشهدين
لا يستطيع المرء أن يتجاوزهما ، المشهد الأول رأه الجميع وأعتقد أنهم أحسوا بما أحسست به وهو مشهد جنود الجيش الذين يمنعوننا من الدخول ويقفون في مواجهتنا بأسلحتهم ، لم أتمالك نفسي وامتلأت عيني بالدموع وأنا أقف أمام الحواجز ، يا جماعة الجيش دا بتاعنا ، الجيش دا خدم فيه أبويا وعمي وأنا كمان ، الجيش دا اللي بيحمينا من العدو الخارجي من اليهود وغيرهم الجيش دا هو اللي بيجيب حقنا لما حد يحاول ياخده زي ما حصل في اكتوبر 73 ، صح ولا غلط ؟؟ ازاي النهاردة نلاقي أسلحة جيشنا موجهة الينا لتحمي الظالمين وتساند النظام المستبد ، لا مكانكم مش هنا ، احنا اتعلمنا كدا الجيش ضد العدو الخارجي لأن مفيش عدو داخلي لأننا كلنا مصريين
مؤشر خطير له مدلولات قاسية تخلي الواحد يخاف علي مصر ...
المشهد الثاني وأعتقد انه شخصي هو مشهد العالم الجليل وفخر مصر كلها الاستاذ الدكتور خالد عودة وهو يقف في القفص اللعين الحقير الذي لا يليق بالأدميين أبدا
كان صعبا علي نفسي تماما أن أري هذا الرجل الفاضل وهو يبدوا شارد الذهن يفكر في حال هذه البلد وكيف وصلت لهذه الدرجة من الهوان لتترك الظالمين بفعلون بالشرفاء ما يفعلون ! كنت أرقبه بعيني طوال الجلسة وهو يقف أحيانا ويجلس أخري ولا يجد راحة لا في الجلوس ولا القيام وسط هذا القفص الرهيب الذي أعد خصيصا لقهر نفوس الرجال ، ولكن هيهات فما مثل هؤلاء يقهرون ، ورغم كل هذا كان يبدوا أنه ينظر للمشهد بأكمله من أعلي وينظر باستخفاف الي هذا العبث والتزوير والافتراء الحقير ..
لم أستطع مواصلة الجلسة كلها كنت أخرج وأعود لأن منظر القفص وهو يحبس بداخله رجالا كخيرت الشاطر ومالك وسعودي وبشر وشوشة وعودة وكل رفاقهم ، كان منظر القفص وحده كاف باتعاس أكثر أهل الأرض سعادة ..
وأخيرا وليس أخرا لقد تأخرت في تسجيل شهادتي 6 أيام من شدة الألم والمرارة التي اعتصرت قلبي ومنعتني من كتابة كلمة واحدة ولكن سأظل أتذكر هذه الكلمات الخالدة :
هما بيعملوا كدا عشان يخوفونا بس احنا مش هنخاف الا من ربنا .. عائشة مالك
الذين باعوا الوطن وسرطنوا الطعام هم الذين ينبغي أن يكونون هنا وليس الشرفاء .. المحامي محمد عبد المعطي
الاخوان هم القوة الوحيدة المؤثرة في هذا البلد وهم صمام أمان لاستقرار المجتمع .. المستشار ابراهيم صالح
انتم بتحبوا بعض أوي .. صحفية شابة وهي تري تحمل الناس للحر والاهانة من أجل الدخول
ربنا معاكم .. انتم رجالة بجد .. ضابط أمن حربي
مصطفي
Labels: الجلسة الثانية للمهزلة
0 التعليقات :
Subscribe to:
Post Comments (Atom)