مدونات ضد المحاكمات : الحرية لمدحت الحداد | الحرية لعصام حشيش | الحرية للدكتور بشر | الحرية لضياء فرحات | الحرية لخيرت الشاطر | الحرية لحسن مالك


كنت قد عقدت العزم أن أكتب حول غول غلاء الأسعار الذي يلتهم أمامه في جبروت لا يتأثر بمستويات الناس الكادحين كل الممكن في حياة معقولة ، وأذكر أن سائق تاكسي في دمشق سئلني كيف يعيش الموظف المصري المسكين الذي يتقاضي 300 جنيه مصري ولو حاولنا بالحاسب الآلي حساب كيفية إنفاقه هذا المبلغ علي أسرته لعجزت الآلة الحاسبة عن تلفيق المصروفات مع الإيرادات.

غير أني تذكرت وعدا قطعته علي نفسي أن أكتب عن معاناة المهندس خيرت الشاطر وإخوانه الذين يحاكمون حاليا أمام المحكمة العسكرية وأنا أتهيأ لأداء دوري في الدفاع عنهم ، وقلت آه يا مصر لسه فيكي سجون وأسر ، ولسه فيكي حرمان للمواطن من حقه في التقاضي أمام قاضيه الطبيعي وحقه في محاكمة حرة وعادلة !!

وأول ما يتبادر إلي الذهن عندما نتفكر في مغزي محاكمة الإخوان أمام محكمة عسكرية وهم الذين يعملون وفق أدوات العمل السياسي المتفق عليها ولديهم 88 نائبا في البرلمان المصري وعلقت نتائج عدة دوائر لم تعلن نتائجها النهائية حتي الآن مرجح فوز الإخوان فيها ، وكلما طالعنا زميلنا ناصر الحافي عضو مجلس نقابة المحامين نناديه بالنائب مع وقف التنفيذ !!

رغم وجود فارق بينه وبين منافسه يفوق ال15000 صوت ورغم هذا قرروا إعادة الانتخابات بينهما ولم تعاد حتي الآن !! ما الذي يدفع النظام إلي محاكمتهم عسكريا وهو ظرف شديد الخصوصية في أوقات الحروب والأزمات والإرهاب ، ليس لدي الإخوان ما يتهمون به من الإرهاب ما جدوي محاكمتهم عسكريا إذا ؟

أظن أيضا وليس كل الظن إثما أن عدم وجود ثمة اتهام حقيقي هو الدافع وراء حرمانهم من المثول أمام قاضيهم الطبيعي الذي أمر بإطلاقهم من قاعة المحكمة قبيل صدور قرار الإحالة للقضاء العسكري بثمان وأربعين ساعة فقط تقريبا ، وهذه الهواجس التي تنتاب كثيرين من المراقبين أو منظمات حقوق الإنسان أو حتي دوائر الإخوان هواجس مشروعة تستند إلي شواهد منطقية سائغة .

ولا أجد أفضل من تعبير منظمة العفو الدولية "المحاكمات التي تجري أمام هذه المحاكم العسكرية تنتهك المقتضيات الأساسية للقانون الدولي للمحاكمات العادلة، بما في ذلك الحق في المحاكمة أمام محكمة مختصة ومستقلة ونزيهة تُشكَّل بموجب القانون" وقالت أيضا " ويخلق تعيين القضاة العسكريين وإحالة القضايا علي المحاكم من جانب السلطة التنفيذية صلة قوية بين المحاكم العسكرية والسلطة التنفيذية، الأمر الذي لا يقدم ضمانات كافية بالاستقلالية ويلقي بظلال الشك علي نزاهتها.

ووفقاً للمعايير الدولية، يحق لكل من يدان بارتكاب جريمة أن يقدم استئنافاً إلي محكمة أعلي، وهو حق يُجرَّد منه جميع الذين تحاكمهم المحاكم العسكرية في مصر. " صحيح أنه جري تعديل لقانون الاحكام العسكرية أتاح للمحكوم عليهم أن يطعنوا في الاحكام بالنقض لكن هذا التعديل عليه ملاحظات كثيرة مما يطرح القانونيون هو الازدواجية التي أوجدها هذا التعديل بجعل محكمتين للنقض في مصر في سابقة غير متكررة أبدا في العالم !!

فالمحكمة العليا في أي دولة واحدة هي التي تحسم الخلاف في الطعون التي تقدم ضد الاحكام العسكرية والالتباس الذي تسببه هذه الازدواجية يلحق أضرارا كبيرة بفكرة التقاضي علي درجتين التي هي صمام أمن القضاء الطبيعي ، ولو أن التعديل الذي جري أتاح للمحكوم عليهم الطعن بالاستئناف أمام محكمة عسكرية أعلي واحتفظ بالطعن بالنقض أمام المحكمة العليا الموجودة في مصر والتي تعد المرجع لكل الهيئات القضائية علي مستوي الاستئناف .

هذه إشكالية أثارها القانونيون ، أما الإشكاليات الواقعية فلم يحدث أن نقضت محكمة النقض العسكرية حكما واحدا في قضايا الارهاب أو ما تسمي بقضايا الجماعات الاسلامية ، لو احتفظ المشرع المصري بأحادية محكمة النقض العريقة في مصر وأحال إليها الطعون التي تقدم ضد الاحكام الصادرة من محاكم عسكرية ضد مدنيين لساغ مبرر السلطة في إحالة بعض المدنيين إلي المحاكم العسكرية لظروف الاستعجال والحاجة إلي إجراءات سريعة تسعف القاضي العسكري ، لكن غلق هذا السبيل أمام المواطن هو الذي يكرس الهواجس أمام الاصرار علي جعل جهة الاختصاص في كل المراحل تبقي في يد وحوزة القضاء العسكري.

وإذا ساغ ما لا يستساغ أصلا في إحالة جرائم الارهاب إلي القضاء العسكري في ظروف تاريخية معينة فلا يمكن استساغة إحالة الاخوان إليه وهم من لم يمارسوا العنف أو الارهاب ، والقاعدة المتعارف عليها أن العنف إنما يكون لمن استخدم العنف ، أما أصحاب الفكر وأساتذة الجامعات وكبار النقابيين فلا يجوز معاملتهم علي هذا النحو ومحاكمتهم علي غير مقتضي القانون وأمام قضاء غير مختص أصلا بحسبان ولايته الاصلية وهو قضاء استثنائي .

وحسنا فعل أستاذنا الدكتور أحمد كمال أبو المجد بوصفه نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الانسان حينما أعرب عن رفضه إحالة المدنيين أمام المحاكم العسكرية ، وأتوقع أننا في حاجة لموقف مجتمعي موحد من الجماعة الوطنية المصرية علي اختلاف أفكارها ومنهجها وألوان طيفها يرمي إلي خلق رأي عام ضاغط من أجل إلغاء هذه الاحالة والعودة إلي جادة الصواب بإحالة المدنيين إلي قاضيهم الطبيعي ، وعلي الأحزاب أن تعي ان مكمن ضعفها وضمورها في خضوعها لتبريرات النظام قبول تجاوزاته لمواجهة الارهاب فنتج عن هذا الموقف الغريب محاصرة الاحزاب داخل مقارها وعدم السماح لها للتحرك في الشارع وأوساط الجماهير.

نحن في حاجة إلي دفع الاخوان أكثر ليتحولوا إلي كيان سياسي مشروع يمارس دوره في المجتمع وفق أدواته المتوافق عليها ، وفي حاجة أكثر لاستقرار حقيقي يذكي نوازع النهضة ومواجهة أشكال التدخل الاجنبي في مختلف صوره.

عن صحيفة الراية القطرية
12/1/2008

0 التعليقات :

أضف تعليقك