بقلم: أ. د/ محمد السيد حبيب
في تصوري يعكس تأجيل النطق بالحكم في قضية المحكمة العسكرية، التي يحاكَم فيها 40 من قيادات الإخوان المسلمين إلى 25 من مارس القادم، ثلاث دلالات:
أولى هذه الدلالات أن القضية من بدايتها وحتى نهايتها قضية سياسية بامتياز، تخضع في كل عناصرها ومكوناتها لدوافع سياسية، تستهدف بالدرجة الأولى التضييق على الإخوان، وتهميش دورهم في الحياة السياسية المصرية، وما يستتبع ذلك من محاولات تلويث سمعة الإخوان، وتشويه صورتهم، وتأليب الرأي العام عليهم، خاصةً بُعَيْدَ الانتخابات التشريعية التي جَرَت في أواخر عام 2005م، والتي فاز فيها الإخوان بثمانية وثمانين مقعدًا عدا أربعين مقعدًا أخرى تم تزويرها لصالح حزب السلطة الحاكمة.
وقد جاء تأجيل النطق بالحكم بهذه الطريقة الكاريكاتورية لكي يؤكد على هذه الدلالة، خاصةً وأنه جاء بعد حوالي سبعين جلسةً استغرقت زهاء عام كامل، أثبت فيها محامو الدفاع مدى هشاشة القضية وتهافتها، ومدى ضعف تكييفها القانوني، بل ومدى الزَّيف الذي تضمَّنته، وأنه لا توجد قضية بالمعنى المتعارف عليه من الأساس، فإذا أضفنا إلى ذلك تلك الأحكام الأربعة بالبراءة التي حصل عليها المدَّعى عليهم من المحاكم والقضاة الطبيعيين، لأدركنا المغزى الحقيقي من وراء الإحالة إلى المحكمة العسكرية ابتداءً.
وثانية هذه الدلالات أن تأجيل النطق بالحكم جاء في سياق الاستعداد لانتخابات المحليات المزمع إجراؤها في الثامن من أبريل القادم؛ إذ إن صدور أحكام بالإدانة في مثل هذه الظروف قد يُلقي بظلاله السلبية على النظام وعلى حزب السلطة الحاكم، الذي يحاول دون جدوى تبييض وجهه وتحسين صورته أمام النخبة وأمام الجماهير، من جرَّاء فشله في التعاطي مع المشكلات الحياتية التي يعاني منها المواطن المصري؛ كالبطالة والارتفاع الجنوني في الأسعار والتضخُّم والتعليم والصحة والتلوُّث البيئي والإسكان والنقل والمواصلات.. إلخ، فضلاً عن ملف انتهاكات حقوق الإنسان، والفساد المستشري في الإدارة المحلية، إضافةً إلى حالة الاحتقان البارزة في المجتمع المصري والتي تعكسها عشراتٌ بل مئاتٌ من الاعتصامات والإضرابات؛ نتيجةً لتدني الأجور.
فإذا وضعنا في اعتبارنا الرفض العارم الذي أبداه خيرة أبناء مصر؛ من مهنيين ومثقفين وفنانين وسياسيين ومفكِّرين وكتَّاب.. لمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، لأيقنَّا أن الظروف الآن ليست مواتيةً بالمرة لإصدار أحكام- أيًّا كانت درجتها- على قيادات الإخوان الأربعين، وبالتالي كان التأجيل هو الحل الذي لجأ إليه النظام.
ثالثة هذه الدلالات أن التأجيل يأتي بهدف إشغال الإخوان بالمحكمة العسكرية، وصرف انتباههم عن الاستعداد للانتخابيات المحلية؛ إذ من المعلوم أن الإخوان يحشدون أفرادهم، ويعبِّئون قواهم في التعبير عن تضامنهم مع إخوانهم المدنيِّين الذين يحاكَمون أمام المحكمة العسكرية وما يتطلَّبه ذلك من فعالياتٍ وأنشطةٍ ومؤتمراتٍ تأخذ من وقتهم وطاقتهم وجهدهم الشيء الكثير، والتأجيل يُطيل من أمد هذه الفعاليات.
وهذا من وجهة نظر حزب السلطة الحاكم يخصم من رصيد الإخوان من حيث الإعداد والتجهيز لانتخابات المحليات، والتي تمثِّل بالنسبة لحزب السلطة حاضره ومستقبله السياسي، ونسي هؤلاء أن الإخوان يتعاملون مع كافة القضايا في نفس الوقت، ويوزِّعون اهتماماتهم على القضايا المتعددة بنفس القدر؛ ففي الوقت الذي يهتمُّون بقضايا الإصلاح الداخلي ومواجهة الفساد والاستبداد، يضعون في بؤرة اهتمامهم المحكمة العسكرية، والقضية الفلسطينية، والانتخابات وغيرها.
------------
* النائب الأول للمرشد العام للإخوان المسلمين
Labels: جلسة النطق بالحكم 26 فبراير
هم ايوة مسلمين لكن ظلمة
ربنا يذلهم امام اعين الناس جميعا
اللهم امين